الخميس، 1 نوفمبر 2012

هذه بعض أسباب استقالتي من خطة مدير مدرسة إعدادية؟ مواطن العالم د. محمد كشكار


أمس، 8 سبتمبر 2011، قدمت استقالتي رسميا من خطة مدير المدرسة الإعدادية بنزهة سلطان بحمام الشط (مدرسة تقع في حي يسكنه موظفون. تحتوي المدرسة على سكن وظيفي للمدير، فيلاّ جديدة جدا لم تُسكَن من قبل، نظيفة و لائقة، ستيل أمريكان، تتركب من قاعة جلوس و 4 غرف و مجهزة بالماء و الكهرباء و الغاز الطبيعي و بيت حمام عصري) قبل أن أتسلم مهام الإدارة و ذلك - على سبيل الذكر لا الحصر - للأسباب التالية
1. لم أتلقّ أي تكوين في أداء خطة مدير مؤسسة تربوية، لم أخضع لأي امتحان تقييمي كتابي أو شفوي للتحصل على خطة مدير مؤسسة تربوية، لا أحمل أي شهادة جامعية في إدارات المؤسسات التربوية، عُينت بعد اجتياز مناظرة جهوية حسب الملفات و كنت الأول في الترتيب بمجموع 52,34127 و هو أعلى مجموع في الجمهورية التونسية على حد علمي

2. خلال تسلّم المهمة الذي لم يُتوّج بإمضائي الشخصي، اكتشفت و اطلعت عن قرب - لا أنكر، كانت عندي فكرة عن بعد كأي أستاذ لا يُشرّك و لا يُستشار في تسيير المؤسسة التي يعمل بها - أن مهمة المدير تتمثل أساسا في القيام بعدة أنشطة يومية غير بيداغوجية لكن مهمة و ضرورية لتسيير المؤسسة، أقرّ و أعترف أنني لست مؤهلا و لا مكَوّنا في هذه الاختصاصات مثل
- ربط العلاقات مع السلط المحلية مثل المعتمد و الحرس و الحماية المدنية و البلدية و شركة الكهرباء و الغاز و شركة توزيع الماء الصالح للشراب
- التعامل مع التجار مثل أصحاب الكُتبيّات التجارية الخاصة و أصحاب محلات المواد الحديدية و مواد التنظيف و غيرها
- التعامل مع أصحاب المهن مثل النجار و الحدّاد و الكهربائي و السمكري أو "اللحّام" و المختص في إصلاح الآلات الناسخة و الحواسيب و معدات المخابر العلمية
- إعداد "فاتورات" المشتريات و تأجيل الشراء في انتظار الموافقة أو الرفض من قبل مراقب المصاريف. في فرنسا، ألغي هذا التنظيم المعرقل لمصالح المؤسسة التي لا يمكن أن تنتظر و لو لحظة في بعض الأحيان و عُوّض بالآلية التالية: يُسمح للمدير بالتصرف في ميزانية المعهد كاملة منذ انطلاق السنة الدراسية، يصرف منها ما يشاء و لا يعرقل سير المؤسسة اليومي و يستظهر بالفاتورات عند المراقبة الإدارية و المالية
- يتنقل المدير على حسابه الخاص لعدم وجود سيارة خاصة بالمعهد و ذلك لأداء مهام خارجة عن مهمته كمدير، بين المعهد و مندوبية التعليم ببن عروس مثل الاتصال بالمقتصد المسؤول عن مؤسسته المتواجد في بعض الأحيان في معهد آخر أو الاتصال بمراقب المصاريف ببن عروس أو حمل الوحدة المركزية للحاسوب لتحيين برمجية إدارة بطاقات أعداد التلامذة "الأيدوسيرف" و أسأل هنا: لماذا لا يأتي العون المختص بالمندوبية و يحيّنها من الأنترنات على عين المكان أو تجول سيارة المندوبية على المعاهد و تحمل كل الوحدات لتحيينها ثم ترجعها إلى المعاهد في نفس اليوم حفاظا على سلامتها و سرية محتوياتها؟

3. الاختصاص الوحيد الذي أحمل فيه شهادة جامعية - دكتورا في علوم التربية 2007 تحت إشراف مزدوج بين جامعة تونس و جامعة كلود برنار بليون 1 بفرنسا - هو اختصاص مهمّش في مهمة المدير و لا يحظى باهتمام هذا الأخير لانشغاله في تأدية مهام إدارية و اجتماعية ضرورية لكن غير كافية وحدها لتسيير المؤسسة التربوية. على سبيل المثال: في فرنسا، يسير المعهد مدير يحمل شهادة جامعية في الاقتصاد و التصرف و لم يزاول مهنة التدريس لكنه يستعين بمدير مساعد يحمل صفة أستاذ قدير و قديم. لنا من أصحاب الشهائد في هذا الاختصاص المئات أو الآلاف من الشباب التونسيين المتخرجين من الجامعة و العاطلين عن العمل منذ سنوات. عاش من عرف قدره و عمل في اختصاصه

4. يتمثل دوري - الذي أسعى دوما إليه - كمفكر ناقد في القيام بالتفكير و النقد و يتمثل دور مدير مدرسة إعدادية أو معهد في تسيير الشؤون اليومية لمؤسسة تربوية. دوران مختلفان حتى لا أقول متناقضان لأن دور الناقد المحترف - الذي لم أصل إليه بعدُ - ينقد و لا يتدخل في الفعل مباشرة أما المدير فيدير مؤسسته إداريا و اقتصاديا و اجتماعيا على مدار ثماني ساعات عمل في اليوم فلا يجد وقتا، لا للتفكير و لا للنقد. المدير الحالي يدير مؤسسة تربوية في شؤونها غير البيداغوجية و هو غير مؤهل أكاديميا في مجال إدارة المؤسسات و فاقد الشيء في هذه الحالة لا يعطيه

5. بعد تقديم استقالتي رسميا، لامني ودّيّا بعض الزملاء. أشكرهم على نقدهم الودّي لقراري بالاستقالة لكن أقول لهم بكل لطف و مودّة أنني أنا الوحيد الذي سأتحمل مسؤولية تسيير المؤسسة خلال عام كامل أو عامين. قبل الاستقالة و قبل تسلّم المهمة، كنت أزور يوميا الإعدادية التي عُينت بها و لم أقابل فيها أي ممثل لأي سلطة جهوية أو محلية مثل مندوبية التعليم أو الولاية أو المعتمدية أو الحرس أو الجيش أو البلدية أو غيرها. لم يأت أحد من هؤلاء ليسأل عن الاستعدادات الضرورية و الملحة الواجب توفيرها لإنجاح انطلاق السنة الدراسية 2011-2012. و للأمانة اتصل بي هاتفيا مرة واحدة معتمد حمام الشط. و في المقابل، وجدت فيها يوميا صباحا مساء مرشدا تربويا قائما بواجبه و بعض الإداريين يسجلون التلاميذ و بعض العملة ينظفون و بعض أساتذة الإعدادية الغيورين على مصلحتها و منهم عضو النقابة الأساسية لأساتذة التعليم الثانوي بحمام الشط

6. ما كل ما يتمنى المرء يدركه ... تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
- كنت أنتظر من وزارة التربية و النقابة العامة للتعليم الثانوي و الأولياء و الأمن و الجيش و البلدية، تجُنُّدٌ واسع لإنجاح العودة المدرسية الأولى بعد "الثورة"، تجند يضاهي أو يفوق التجند الرائع الذي حصل أثناء اجتياز امتحان الباكلوريا في جوان 2011
- كنت أتمنى أن أجد المؤسسة التربوية التي عينت مديرا لها و كل المؤسسات التربوية الأخرى في كامل تراب الجمهورية التونسية نظيفة مطلية. معلومة سمعتها عن طريق صديق متفقد إداري و مالي نزيه و جدي يعمل حاليا بوزارة التربية التونسية، قال: تقريبا 40 في المائة من العمال المعينين و المترسمين بالمؤسسات التربوية من معاهد و إعداديات، كُلّفوا عن طريق التدخلات الملتوية قبل الثورة بعمل إداري بقرار غير سليم و غير قانوني من بعض الولاة أو بعض المعتمدين أو بعض المندوبين أو بعض الوزراء أو بعض مديري المؤسسات التربوية لذلك نلاحظ نقصا كبيرا في عدد العمال المباشرين لمهنة التنظيف داخل المؤسسات التربوية و انجرّ عن هذا القرار الخاطئ، شبه انعدام في صيانة أثاث هذه المؤسسات و إهمال في نظافة قاعات و فضاءات التدريس. كنت أتمنى أن أجد قاعات مجهزة و مُصانة و محروسة و فاتحة أبوابها لاستقبال الأجيال الصاعدة من فلذات أكبادنا الأبرياء الحالمين بمكاسب "ثورة 14 جانفي 2011
- كنت أحلم أن أرى - على الأقل في بداية شهر سبتمبر، شهر افتتاح السنة الدراسية، الافتتاح الأول بعد الثورة - كل يوم وفدا يزور و يتفقد مدرستنا الإعدادية بنزهة سلطان بحمام الشط و يسأل عن حال المناضلين المرابطين فيها من مرشد تربوي و إداريين و أساتذة و نقابيين و عملة
- كنت شبه متيقن من أنني سأجد على باب كل مدرسة شرطيا أو جنديا يحرسها ليلا نهارا ضد الإتلاف المتعمد و النهب المنظم خاصة في ظروف تسلم و تسليم المهام بين المديرين القدامى و المديرين الجدد

خلاصة القول
أنا أؤمن بشعار "الرجل المناسب في المكان المناسب" أو بمعنى أدق "الرجل المختص في الاختصاص الذي أُهّلَ من أجله" و عاش من عرف قدره و احترم نفسه و لم ينفخ في صورته الشخصية و اكتفى بالعمل في اختصاصه بمهنية و شرف و صدق في القول و إخلاص في العمل. يبدو لي أن مهمة مدير مؤسسة تربوية ليست لي و أنا لست لها و أعترف أنني أخطأت في الترشح لها و أصلحت خطئي بالاستقالة قبل المباشرة و النساء و الرجال الأكفاء كُثر في تونس و الحمد لله و أنا واثق تمام الوثوق أن أبسط شاب أو شابة من المختصين التونسيين المبتدئين في علم التصرف و إدارة المؤسسات، سوف ينجح أو تنجح في إدارة مؤسسة تربوية أحسن مني ألف مرة و يحصل لي الشرف العظيم إن عيّنوني مساعدا بيداغوجيا له أو لها للنهوض بالتربية و التعليم في تونس خاصة في هذه المرحلة الانتقالية الحرجة، مرحلة البناء و التأسيس لعهد ما بعد "الثورة"، عهد جديد حتى لا نكرّر القولة الممجوجة "عهد التغيير

إمضاء د. م. ك
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد المفيد
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي

التاريخ
حمام الشط في 9 سبتمبر 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق