الصباح : بقلم: منذر الكنزاري ـ يحتفل العالم اليوم 5 أكتوبر من كل سنة باليوم العالمي للمربي، هذا اليوم لم يكن صدفة وإنما جاء تقديرا واحتراما لجهود المربي لما يقوم به من عمل جبار في سبيل نشر العلم والمعرفة والأخلاق والقيم والتصدي للجهل والأمية...كما أن اليوم العالمي للمربي جاء ليضع المربي بصفة عامة في موقعه الصحيح ويذكره دائما أنه مسؤول عن إعداد أناس صالحين للمجتمع على اعتبار أن التربية في مفهومها العام هي إعداد الفرد ليسعد نفسه أولا وغيره ثانيا...
|
فالأوصاف تبنى بالعلم والثقافة والتربية... وهذا ما تؤكده المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلم «اليونسكو» عندما تعرف التنمية بأنها العلم عندما يصبح ثقافة، كما أن الدول المتقدمة يقاس تقدمها بمدى نجاعة وقوة أنظمتها التربوية والبيداغوجية، وجزء كبير من النظام التربوي الناجح والناجع هو قوة شخصية المربي... لكن ما ألاحظه اليوم في واقع المعلم في المدرسة التونسية أجده لا يتطابق مع ما يجب أن يكون عليه المعلم وللأسف أراه كل يوم يغرق في النمطية القاتلة التي حولته الى مجرد أداة يقتصر دوره في إعداد دفتر الدروس والمذكرات والمعلقات.. وأصبح عمله تكرارا واجترارا لما قام به من قبل ففقد بالتالي القدرة على رؤية واقعه التربوي رؤية نقدية وموضوعية صحيحة تجعل منه بحق مربيا في مستوى المسؤولية التربوية، الحضارية والأخلاقية المناطة بعهدته لأن التعليم عملية إبداع وخلق وابتكار وصناعة... ومهنة راقية جديرة بالاحترام ولا يمكن الاستهانة بها، أما إذا انحرف المعلم عن هذا المسار فإنه يسقط تبعا لذلك في الرتابة والدونية ويصاب بالانحراف المهني الذي ربما هو أخطر من الانحراف الأخلاقي، فأغلب المعلمين يدور حديثهم حول تواريخ تفقداتهم والأشهر التي من المزمع أن يخضعوا فيها للتفقد، وكم أضاف لي هذا المتفقد... في حين أن العملية التربوية أرقى وأسمى من أن تحشر في هذا النهج الضيق، كان يفترض أن يتساءل المعلم عن أسباب تدني مستوى التلميذ اللغوي والمعرفي والأخلاقي... أو يتساءل المعلم عن أسباب تدني مستوى التلميذ اللغوي والمعرفي والأخلاقي... أو يتساءل لماذا فقد المعلم دوره التنويري والطلائعي في المدرسة والمجتمع؟ أو ما هي الحلول الحقيقية القادرة على تطوير تعليمنا في الاتجاه الذي يخدم الناس والمجتمع والوطن ككل؟ أليس تاريخ تقدم البشرية هو تاريخ السؤال والنقد والملاحظة والآراء والمواقف البناءة والجادة...؟ وهنا لست قاضيا لأحاكم المعلمين وإنما أردت أن أعبر عن وضعية تعيسة وهزيلة يعيشها المعلم خاصة أننا نعيش في عالم متقلب ومتشابك ومتغير في كل لحظة من لحظاته، والمعلم مطالب إذا أراد أن يكون معلما بحق أن يواكب كل ما يحيط به في هذا العالم والا فقد القيمة المعرفية والشخصية القوية التي كان يتمتع بها.
فالمعلم الذي كاد أن يكون رسولا فقد السيطرة حتى على أبنائه وهذا ما تؤكده إحدى الدراسات التي تقول أن نسبة أبناء المعلمين الناجحين الى الجامعة التونسية تراجعت بنسبة كبيرة في السنوات الأخيرة، فأغرق المعلم وأغرق نفسه في شكليات لا يرجى منها أي خير وبدل من مراجعة نفسه وتقييم مسيرته المهنية ونقدها بكل شجاعة وثقة في النفس، انكفأ على نفسه وتقوقع وأصبح يبحث عن إرضاء المتفقد والمرشد ودروس التدارك أكثر من البحث عن إرضاء نفسه وضميره، لأن التغيير والسعي الى التغيير من أهم مبادئ الحياة والإنسان الواعي بصفة عامة مطالب بالوقوف عند كل دقيقة من دقائق حياته يتمعن ويدرس ويفكر يحلل وينقد ويبدي رأيه ويلاحظ...وهذا جوهر العمل الحقيقي لأن العمل تاريخيا حرر الانسان ولم يسجنه... لكن نرى المعلم اليوم سجين مذكراته ومعلقاته وتفقداته وكأنه محكوم عليه بالأشغال الشاقة والذي زاد الطين بلة بعض المتفقدين والمرشدين الذين مارسوا على المعلم نوعا من التسلط الاداري والبيداغوجي الذي حال دون أن يطور المعلم نفسه في الاتجاه الصحيح ويعمل في ظروف تسمح له بأن يبدع ويطور ويغير ويعد أناسا صالحين للمجتمع كما أن برامج الوزارة المرتجلة والتي لا تعزى الى استراتيجية عمل صحيحة تفقد المعلم لذة العمل..
لاحظت من خلال قربي من المنظومة التربوية أن هناك علاقات عمودية في علاقة الوزارة والمتفقد بالمعلّم وهذا قمة التخلف، ولايخدم العملية التربوية في حد ذاتها، فهناك، ترتيب تفاضلي هرمي في علاقة الشركاء التربويين في بعضهم البعض ففي الدول المتقدمة: وأي عمل يمارس فيها جدير بالاحترام والتقدير ومهما كان نوع هذا العمل، أما الدول المتخلفة فيصنف العمل فيها حسب الدخل الشهري وحسب الموقع والقرب أو البعد من مراكز القرار بينما المنطق يفرض أن نصنف العمل حسب قيمته الحضارية والمعرفية والثقافية وبالتالي أدعو كل معلم أن يصنف نفسه رقم واحد في مدرسته وحتى في مجتمعه نظرا لما يقوم به من عمل حضاري وإنساني، فأروبا التي نعتبرها نموذجا للتقدم والتطور تضع مهنة التعليم في خانة الاعمال الصعبة والشاقة وتسند للمعلم المنح والحوافز والتشجعيات كمكافأة على الجهد المبذول، بينما نحن نقصي ونهمش المعلم ونزج به في وضعيات سيئة سامح الله الانظمة للسياسة التي تعاقبت على تونس خلال العقود الماضية، ودجنت التعليم وجعلت منه مجرد خادم للسياة وبوق دعاية لها على مر السنين.
إن سياسة تحقير وتهميش وضرب التعليم هي التي أدت بالمعلم الى مثل هذه الوضعية التي كنا نتحدث عنها وهي عملية مقصودة خاصة من نظام بن علي الذي كان يدرك أن النظام التربوي القوي كفيل بمزاحمته والإطاحة به، وهذا ما نلاحظه من خلال تتبع مسيرة التعليم في بلادنا، إذ أفرغ التعليم من محتواه الحضاري ، الإنساني، الأخلاقي والتربوي... وأصبح مجرد مواد تدرس في القسم ولا علاقة لها بالمجتمع والمستقبل والتنمية بصفة عامة.
فالسياسة في خدمة التعليم وليس العكس والسياسة أيضا في خدمة المعلم والتلاميذ ونحن عندما نقول هذا نريد أن يكون لنا معلم في منظومتنا التربوية يحرر التلميذ لا أن يروضه وفق نظام سياسي دكتاتوري، نريد معلما يخلق في الطفل القدرة على التعلم بنفسه والقدرة على التغيير وبناء مصيره بنفسه عندما يكبر، لا نريد أن تنتج لنا المدرسة شخصية ضعيفة سلبية بكل شيء حتى وأن كان «غول».
وأخيرا أحمّل المعلم مسؤولية كبيرة في إعادة صورته الحقيقية التي كان يتمتع بها وذلك بمراجعة ونقد عديد الأشياء التي ظلت لفترة زمنية طويلة مسكوت عنها وذلك بطرح أسئلة علها تساعد المعلم على العودة الى مركزه الحقيقي خاصة بعد ثورة 14 جانفي التي نأمل أن يساهم المعلم في إنجاح هذا الحدث التاريخي الذي عاشته تونس وهو الإطاحة بالدكتاتورية وهذه الاسئلة تتمثل: لماذا أعلّم التلاميذ؟ كيف أعلّمهم؟ ماذا يمثل المعلم في المنظومة التربوية الحديثة؟ ما هي آفاق التعليم في ظل مواصلة تهميش هذا المربي؟ ما هو الدور الحقيقي الذي يفترض أن يقوم به المعلم؟ أهو دور تعليمي أم أن له أدوار أخرى مطالب بالقيام بها؟
معلّم تطبيق
|
الاثنين، 1 أكتوبر 2012
في اليوم العالمي للمربي.. المعلم في المنظومة التربوية التونسية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق