الأربعاء، 2 نوفمبر 2011

ملف التربية والتعليم- تربية وتعليم أم أمية وتجهيل

 عمار ديوب
تعتبر مؤسسة التعليم والتربية على اختلاف مراحلها إحدى أدوات الهيمنة الإيديولوجية للطبقة المسيطرة في أي بلد وهي بسياساتها ومناهجها تعيد تجديد السيطرة الطبقية (1) وإحكام قبضتها على المجتمع بما يخدم مصالح طبقية معينة ، متضمنة بالضرورة جملة من المعارف والعلوم والأفكار والعادات والتقاليد ، ومُصاغةً بطريقةٍ تؤدي لتفكك الوعي وبعثرته في اختصاصات متعددة ، لا رابط بينها ، وقد لا تتنافى مع العلم الطبيعي أو الاجتماعي؛ ولكنها دائماً متأخرة عنه في العالم المتقدم ، وكذلك لا تقدم نظرة متماسكة ومترابطة عن الأشياء أو المجتمع ، مما يفرغها من قيمتها النقدية والثورية ويجعلها بدلاً من أن تكون ناقدة لمشكلات المجتمع على كل المستويات ، مثبتة لها ، ومؤبدة إياها ، وبالتالي تصبح ضد التنمية المستدامة وحتى الجزئية..
يشرف على هذه المؤسسة وزير للتربية ، يعين من قبل رئيس الجمهورية ، ويعتبر هو وتوقيعه المصدر الأساسي للسياسة التعليمية وكل ما يخص هذا الشأن ، ويساعده مجموعة كبيرة من الموظفين البيروقراطيين الإداريين ، اللذين يهتمون بقضايا المدارس والمعلمين والطلبة والمناهج والامتحانات وغيرها ، ويشرفون على تنفيذ القرارات الوزارية ، وكأنها أوامر عليا مقدسة ، وهو ما يعرقل العمل التعليمي ويحول حياة كثير من المدرسين والطلبة والمدراء إلى جحيم حقيقي ، مما يؤدي بدوره لإلغاء البعد الثوري والنقدي للعلم ، وتحويله إلى مجرد معارف كمية ، تكمن قيمتها في تلك الكميات المخزنة في الذاكرة فقط ، والمُخرجة إلى الورق حين الامتحانات العقيمة ليتحول الطالب بدوره بفضل تلك السياسات التعليمية إلى آلة ناسخة أو كيس ممتلئ بالمعلومات تشبه أكياس البطاطا ؟!!..
ينقسم التعليم في سوريا ، إلى عدة اختصاصات ، يتم التركيز فيها على الاختصاص العلمي بصورة استثنائية وكذلك الأدبي وهناك الفروع المهملة وهي المهنية بأنواعها كالتعليم الصناعي والتجاري والزراعي والفني والفندقي والديني وغيرها يُقصد بالاختصاصات المتعددة تغطية حاجات المجتمع ، والاستجابة للتطورات به ، ولكن بينما المدارس الصناعية في الصين ترسل لسوريا وغيرها ألاف السلع الصناعية وتجني مليارات الدولارات من ورائها فإن التعليم الصناعي في سوريا يبقى عبئاً ثقيلاً على الدولة ، أما لماذا لا يتحول إلى قطاع منتج ، فلا أحد يعلم ؟

بالتالي وبشكل أولي نقول أن طريقة التدريس وصياغة المعلومات وعدم الربط بين النظري والعملي والسياسات التعليمية البيروقراطية كلها تُفرغ التعليم من محتواه ، ليصبح كل اختصاص لا علاقة له بالآخر، وكذلك لا علاقة له بالعلم ذاته أو بالحاجة العملية للمجتمع أو الاقتصاد أو الاجتماع البشري ، ويمكن أخذ مثال أخرمن التعليم الجامعي ؛ فطالب علم الاجتماع لا يستطيع فهم أية ظاهرة اجتماعية أو إجراء دراسات ميدانية حقيقية (2) كما أن طالب الفلسفة لا يستطيع تفسير وفهم وارتباط وشروط بعض القضايا في الفلسفة أو السياسة وقد شبهه أحد أساتذة الفلسفة بأن عقله بسبب المناهج التعليمية يشبه بوري المدفأة ، فالمعلومات مكدسة فوق بعضها البعض ، ولكن بلا اتجاهات ، وبدون روابط أو قدرة تحليلية ، وأما طالب العلوم السياسية فهو بدوره لا يستطيع فهم العلاقة بين السلطة والدولة والمجتمع وسيادة الدولة ، وإذا استطاع بعض الطلاب السابقين ، وبفضل جهودهم الذاتية ، تجاوز السياسات التعليمية وعقمها؛ فإن ذلك الطالب لا يستطيع تطبيق أفكاره على الظاهرة المراد دراستها ، ليصبح هؤلاء الطلبة واقعياً ، من مضيعي أوقات أعمارهم في المدارس أو الجامعات ، لان أعمارهم تقتضي ذلك ، أو طالبي شهادة جامعية ، تعلق على الجدران أو توضع مع الأوراق المهملة ، وبالتالي طالب العلم بذهابه لمدرسة العلم يصبح بلا علم أو ثقافة أو تربية حديثة..
تكتمل حلقة ضعف التعليم بغياب التربية الايجابية ، فيعاد تركيب عقل الطالب عبر التعليم كونه صندوق الذكريات القديم ، والمنفصل بدوره عن التربية العلمانية والديمقراطية ، ليستعيد هذا الطالب – الصندوق – تربية ذويه المعتمدة بدورها على العادات والتقاليد القديمة غير النقدية ، وغير القادرة ، على تجاوز الهويات الشعبية الدينية ، الاثنية والأقلية وبالتالي لا يساهم التعليم أو التربية في تكوين وعي مدني حديث لكافة أبناء المجتمع .
وهذا يعني تجهيل الطالب وتكريس وعيه بالوعي الماهوي التقليدي لتصبح نتائج التعليم والتربية ( الدينية والقومية والنفسية والاجتماعية) تربية محافظة ، والتعليم في أحسن أحواله تعليم اختصاصي ، والفرد أناني في علاقة بالعلم ، ويهتم لمصالحه وهو ما يكرس انفصام العلاقة مع الثقافة والفكر الحديث وبالتالي لا علاقة للعلم بالثقافة كما يقول دكتور الفلسفة طيب تيزيني وكذلك بالحياة الواقعية وبآليات نقد المجتمع …
التعليم الإلزامي:
طبقت سوريا سياسات التعليم الإلزامي إلى نهاية الصف الابتدائي وعممته منذ سنوات إلى نهاية الصف التاسع ، وكان المقصود بالأمر من أساسه، إنهاء الأمية ، وتعليم الجميع القراءة والكتابة ، وبعض القضايا العلمية ، إلا أن ضعف الرقابة على التعليم، وسوء نوعية المعلمين، وانحطاط وعيهم ، ونوعية المدارس ، و كثافة الطلاب في الصفوف ، وقلة أجور المعلمين وغياب أي دوري نقابي مستقل لنقابات التعليم لصالح المعلمين والارتفاع بسوية المعلمين والمدارس ذاتها وعدم وجود حوافز أو مكافآت ذات قيمة. أدى كله لتراجع التعليم وترفيع قسم من التلاميذ بشكل أوتوماتيكي إلى الصف السادس الابتدائي ، وهو لا يعرف جدول الضرب ذاته أو يكرهه بطريقة غربية كما شرحها فيلم رسائل شفهية. والمؤسف كذلك أن بعض الطلبة لا يستطيعون قراءة لافتة في الشارع ؟!
وهذا ما أدى لظهور أمية عالية في سوريا ، سببها ، وأشدد أنها ، السياسة التعليمية الفاشلة ، وافتقاد الحس بالمسؤولية لدى المدراء والمعلمين ، الناتج بدوره ، عن انعدام قيمة المعلمين أو المدراء أنفسهم وإغراق المدارس بأشخاص لا علاقة لهم بالتعليم إلا من زاوية الأجرة الشهرية الشحيحة..
وتتعمق المشكلة بتنصيب المدراء عن طريق التعيين البغيض والمسيء لكل عقل تربوي أو مدرس محترم ومراعاة الأقارب أو عن طريق حزب البعث أو الشبيبة أو أجهزة الأمن المختلفة ، وهو ما يتسبب بكوارث حقيقية وبعدم وجود أي نوع من التلاؤم بين المدرسين والموجهين والطلاب..
هذه الآليات المستمرة في التعليم تساهم في تعميم الأمية وإفلاس التعليم والتربية معاً ، لتتحول سياسة التعليم الإلزامية- التي هي عظيمة كفكرة وكارثية بارتباطها بالبيروقراطية وبمآلاتها في سوريا- إلى سياسة مُفرغة من محتواها وشعار مجاني وإيديولوجيا بامتياز ، وهذا لا يقلل من أهمية ما أدته من دور في نشر التعليم قبل عدة عقود في أوساط الطبقات الفقيرة ؛ ولكنها الآن تدفع باتجاه إلغاء التعليم العام وتحويله إلى تعليم خاص ومشروع استثماري . ويعتبر كثير من رجالات الدولة ، نافذين في هذا الموضوع ، ويحاولون بكل الآليات القائمة الآن التخلص من التعليم العام في كل مراحله ، وتفعيل آليات إفشاله ، ونهبه ، ودفع الطلاب نحو التعليم الخاص في كل مراحله ( الابتدائية والأساسية والثانوية ) ونحو الموازي أو المفتوح أو الجامعات الخاصة ..
الاختصاصات والفوارق الاجتماعية:
إن سبب بروز هذه الاختصاصات هو من أجل الاستجابة لحاجيات المجتمع وتطوراته الاقتصادية والاجتماعية ، ولكنها وبمرور الزمن ، والابتعاد عن السياسات التي تقلل من الفوارق الطبقية في المجتمع والمرتبطة بدورها بتحول الطبقة المسيطرة من طبقة برجوازية صغيرة إلى برجوازية كبيرة تجارية ، فإن الاختصاصات أصبحت تعمق وتخلّد الفوارق الطبقية في المجتمع ، وتلعب السياسة الفاشلة بالتعليم في الابتدائي والإعدادي والثانوي وكذلك ارتفاع معدلات الدخول للجامعات العامة دوراً نابذاً وطارداً لأبناء الفقراء الذين لا يستطيعون إرسال أولا دهم إلى المدارس الخاصة ولا تزويدهم بمعلمين خصوصيين ولا إرسالهم لجامعات خاصة ، مما يحول التعليم لحلم مؤجل لديهم ، خاصة وأن أقساط التعليم الخاص تعتبر أسعار خيالية ( تخيل بعض المدارس الخاصة تسعيرتها 80 ألف ليرة سورية وبعض الروضات تصل تسعيرتها لخمسون ألف ليرة ) وهو ما شكل قطاعاً جديداً من النهب مضافاً إلى آليات النهب العامة ، تشفط من خلاله بقية المدخرات التي أختزنها الناس – من الطبقة المتوسطة – على حساب لقمة عيشهم أو عيشهم الكريم أو تحولهم لآلات عاملة سخيفة بدون قيم أو مشاعر ..
فالاختصاصات المهنية والأدبية تحول أفرادها في المستقبل إلى أشخاص يعملون عملاً روتينياً تكرارياً ، يجعل الفرد بدوره آلة صناعية وبمرور الزمن آلة معطوبة وغير قابلة للتحديث والانمساخ (اقرأ رواية كافكا التحول) وأصحاب هذه الاختصاصات لا يستطيعون إيفاء حاجاتهم اليومية ، أما أصحاب الاختصاصات العلمية ( ولا سيما الدكاترة ، الصيادلة ، المهندسين في بعض القطاعات) فإن أفرادها يصبحون من طبقات غنية وبيروقراطيين ناهبين حقيقيين وهو ما يكرس أن أبناء الأثرياء أو أبناء السلطة أفراد من طبقة مسيطرة حاكمة وأبناء الفقراء من طبقة فقيرة محكومة ، مما يؤدي بدوره لأن يصبح أبناء الفقراء فقراء دائمين وأبناء الأغنياء أغنياء دائمين وبالتالي بدلاً من أن تكون الاختصاصات من أجل تلبية حاجات المجتمع على اختلافاتها تصبح مكرسة للفوارق الطبقية(3) والاجتماعية في المجتمع على اختلافاتها..
التعليم الديني(4):
برزت في الآونة الأخيرة محاولات لتعميم التعليم العام بدون التعليم الديني حتى نهاية الحلقة الثانية في التعليم الأساسي بحيث يكتسب التلميذ معارف علمية وقدرات عقلية تسمح له بالاختيار بين أن يكون شخصاً متابعاً لدراسته في قضايا الدين والتخصص به والتفقه أو متابعاً لدراسته في إطار العلوم الحديثة ، فجاء رد رجالات الدين في سوريا بليغاً برسالة لرئيس الجمهورية تشيد بالتعليم الديني وبأهميته وأنه يجب أن يبقى على حاله منذ الصف الأول الإعدادي وأن إلغائه مؤامرة ؟ ضد التعليم من قبل وزارة التربية ؟ ولا أقصد كتاب التربية الدينية لأنه موجود والحمد لله منذ الصف الأول الابتدائي في مناهج التعليم ؟؟!!
بل أقصد التعليم الديني كمناهج أصول الفقه أو الحديث أو غيره الذي تقدمه بعض المدارس بالإضافة للمناهج العامة التي تعطى بالمدارس الأخرى . وقد تضمنت تلك الرسالة العلمية عبارات منددة بالتعليم المختلط وبطريقة تفيح منها روائح التعصب الديني والعقلية الذكورية واتهامات بأن المدارس المختلطة بؤر للفساد والانحطاط الأخلاقي ، قاصدين أو متجاهلين أن المدارس في القرى السورية التابعة للمدن الصغيرة ، جميعها مدارس مختلطة ، والسؤال إذا كانت مكاناً للانحطاط؟ أليس هذا معناه أن قرى سورية بأكملها ذات المدارس المختلطة منحطة وعديمة الأخلاق والدين ؟!
الغريب أن هؤلاء الشيوخ الأشاوس لا يأبهون لأبسط نظريات التعليم أو علم النفس والتي توصي بضرورة التعليم المختلط خشية من مشكلات جنسية من ذات النوع ومن انحدار التعليم وكون التعليم المختلط يضيّق الفروق بين الجنسين ، ويقرب بينهما ويستدعي المنافسة التعليمية ، ويعمل على تجاوز العقليات الذكورية، والتعريف بالآخر كما هو ، لا كما الأوهام عنه ، مما يرفع من سوية التعليم ، ويساهم في خلق وعي متقدم وديمقراطي وعلماني وقناعة عقلية واجتماعية بالمساواة بين الجنسين بالحقوق والواجبات..
أما الفصل المراد والمطلوب من أجل الأخلاق الرفيعة !! كما يقال والذي يعمم بين العائلات والمدرسين فإنه يؤدي لتراجع المنافسة بين الطلاب، ولإثارة الأسئلة حول سبب غياب الجنس الآخر، وزيادة الاهتياج لعدم وجوده ، وتحويل العلاقة لاحقاً إلى علاقة مشوهة مقتصرة على البعد الجنسي خاصةً وأن هذا الدافع العضوي الأصيل – الدافع الجنسي - لدى الإنسان يزداد اهتياجاً بالفصل بين الجنسين ويخفت هيجانه بالاختلاط ، وبالتالي يؤدي الفصل المحبب لدى مشايخنا ، لوقوع الطلاب بعلاقات سطحية وجنسية - لا تبررها قلة الأخلاق الركيكة حكماً- وضياع كثير من الأوقات في محاولة فهم الأخر ، غير المرئي ، والمرغوب وجوده ، فتكون النتيجة تكوين عقل ممسوخ ومشوه عن الجنس الأخر وهو ما يحقق مصلحة رجالات الدين ، الذين تزدهر أسواقهم كثيراً في ظل قمع الفكر العلماني واليساري وارتفاع الوعي الديني ، فيظهر شيوخه كشخصيات عامة ذات حظوة ، وهو ما يؤدي لتكريس التشويه الحاصل في الوعي الشعبي ، غير المهووس بالتعصب والطائفية ، وعياً طائفياً ذكورياً ، إقصائياً ، غير حداثي ، وغير علماني ..
أما مادة التربية الدينية: بالإضافة للتعليم الديني والفكر المتعصب السائد وبرامج التلفزيون الدينية والجامعات الشرعية وبتغييب أية فاعليات علمانية أو يسارية أو قومية ؛ فإنها أول ما تقوم به هو تكريس فكرة الماهيات بين الطلاب ( مسيحي ، مسلم ) وكذلك إلغاء الهويات الدينية لغير السنة ( دروز ، اسماعيليين ، علويين وغيرهم ) واعتبار الجميع شاءوا ، أم أبوا ، سنة هذا أولاً..
ثانياً : تأبيد دونية المرأة إزاء الرجل ، وخصها وفق الكتب التربوية الدينية بالأعمال الهامشية والمنزلية مما يكرس لاحقاً حقوق الرجل وعدم وجود حقوق للمرأة ، وهو ما يؤبد العقلية الأبوية الإقطاعية ، ويعرقل انطلاق الوعي المدني الحديث، الذي يقر ، بالحقوق المتساوية لجميع المواطنين وبغض النظر عن الجنس..
ثالثاً : إلغاء الهوية القومية لصالح استحضار هوية دينية ماهوية تفرق أبناء العروبة وتخلق فوارق اجتماعية ومذهبية وبالتالي تشويه الوعي القومي العام الذي يميّز العرب أينما وجدوا وبغض النظر عن دولهم القطرية التابعة كجزء من أمة عربية ، والذي برز من أواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين، وكرسته القوى القومية ، هويةً قوميةً للعرب في الخمسينيات والستينيات ، وحولته أنظمة الحكم القطرية وعياً طائفياً محلياً ..
رابعاً : خلق حالة من الوعي الامتثالي ، الخاضع ، التابع ،المستهلك ، غير القادر على النقد والنقض والاعتراض والاحتجاج والتظاهر ، وبالتالي وعي لا يرى المشكلات ، ويمجد الأب أو القائد أو الشيخ ، وهو ما يؤبد الأوضاع القائمة والتي بتغير النظام الحاكم تكون القوى الوحيدة القادرة على تسلم زمام البلاد ، أي القوى الطائفية ، التي لم تتعارض مع النظام باستثناء فترة الثمانينيات ، واستفادت منه حتى الرمق الأخير من حياته ، واستفاد هو منها حتماً في ديمومة سيطرته واستمرار يته..
التعليم الفلسفي (5):
يعتبر التعليم الفلسفي ضرورة أساسية في التعليم باعتباره ينمي عقلية النقد والتفسير والتفكير وينطوي على بعد تجاوزي للقيم السائدة ويبحث عن مجتمع أخر ومتقدم عن المجتمع القائم ولكن ولأن كل شيء مترابط فإن ما يسري على التعليم العام من فشل ومشكلات يسري على التعليم الفلسفي كما على كل قطاعات الحياة ولهذا فإن بعض مشكلات هذا التعليم تخرجه تماماً من أهميته وضرورته، وهذه المشكلات تتحدد بأربعة مستويات :
1- مشكلات تتعلق بالطلاب : فتبدأ من أن طلاب الأدبي لا يدرسون إلا القليل من المواد العلمية ، ويمتازون بالكسل ، خاصة وأن الكليات العلمية أصبحت حلم حقيقي ، وجماعة الأدبي لا يطيقون الرياضيات ، ولكن الرياضيات تعتبر أساسية في التفكير الفلسفي كما أشار أفلاطون وغيره . وهناك من يذهب للأدبي لأنه لم يقرر بعد نوع التعليم الذي يرغبه ، أو العمل المستقبلي ، أو الراغب بالانخراط بوظائف الدولة كما فعل كثير من المعلمين الحائزين على الشهادة الثانوية الأدبية وكان لهم ضمن السياسة التعليمية القائمة شرف المساهمة في إفشال التعليم العام..
2- مشكلات تتعلق بطرائق التدريس : تبين أن الطريقة الإلقائيةهي الوحيدة المستخدمة في التدريس ، مع أن جميع دارسي الفلسفة يؤكدون على ضرورة الإقلاع عنها ، ولكن المشكلة أن جميع مدرسي الفلسفة في سوريا يستخدمون هذه الطريقة بالتحديد وربما تلعب كثرة الطلبة في الصفوف والامتحانات الحفظية دوراً في تغليب هذه الطريقة ، وأما الطرائق الجديدةكالإبداعية أو طريقة النشاط أو التفاعل أوحتى الحوارية فإنها تتطلب شروطا مختلفة تماماً عن الشروط الموجودة حالياً في العملية التعليمية بأكملها..
3- مشكلات تتعلق بأهداف التدريس : لا يوجد صياغة لأهداف محددة وواضحة ويتم الاكتفاء بأهداف عامة تصلح لجميع المواد عدا عن حجم المادة التعليمية والتي تجبر المدرس على إتباع الطريقة الإلقائية الحفظية وإبعاد استخدام التحليل والتركيب والتقويم وبالتالي عدم تنمية التفكير النقدي وحس المبادرة أو المسؤولية..
4- مشكلات تتعلق بمدرس المادة: إن معظم مدرسي هذه المادة لم يختاروها بمحض إرادتهم بل عبر طريقة المفاضلة وبسبب حجم علاماتهم الضئيلة ، والأخطر أنهم الآن ، هم من طلبة الفرع الأدبي المشار إليهم أعلاه ، ولا تتوفر لهم فرص لتطوير ذواتهم أو القراءة لانشغالهم بأمور المعيشة الباهظة الثمن أو لانعدام الحياة الثقافية والسياسية في البلد
هذا عدا عن مشكلات أخرى تتعلق بضيق الوقت المخصص للمادة وركاكة صياغة المادة التعليمية وكثافة الأفكار وعدم ارتباط المناهج ببعضها في الصفوف المتلاحقة والأعداد الكبيرة في الصفوف ومنع زجر الطلاب في المدارس والتقليل من صلاحيات المدرس وتعرض الكثيرين منهم للإهانة فيها من قبل الطلاب أو المدراء أو الأهالي وسوق بعضهم لمخافر الشرطة والقضاء وغيرها وكلها مشكلات تضع المدرسين والمعلمين بأسوأ وضعية في وظائف الدولة وفي المجتمع
أخيراً نرى بأن التعليم العام وفق الوضع السائد هو تجهيل حقيقي ، وأن التعليم الخاص بكل أشكاله هو سياسة طرد حقيقية للفقراء من التعليم ، وبالتالي إصلاح التعليم ضرورة للطبقات الفقيرة ، بحيث يعاد للتعليم العام دوره ، وأن تعطى نقابة المعلمين دوراً حقيقاً في رسم سياسة التعليم وإيقاف الاستهتار بالمعلمين وإعادة النظر بأوضاعهم وأجورهم وبكل تركيبة الصفوف الدراسية والمناهج ؛ بما يعزز إلزامية التعليم حتى الحصول على الشهادة الثانوية والإقلاع عن المناهج الحالية ، وكذلك عن نظام الامتحانات السيئ الصيت ، والعمل من أجل تعليم عام لجميع الطلاب وإيقاف سياسة خصخصة التعليم العام في الجامعات العامة( موازي ،مفتوح ،رسوم عالية للتسجيل وللسكن)(6) وفتح جامعات جديدة وسحب الرخص من الجامعات الخاصة ذات الفروع الموجودة في الجامعات العامة ، والسماح فقط لبعضها من غير الاختصاصات الموجودة في الجامعة العامة، وهذا ضروري الآن وغداً ، ولن تكون له فاعلية حقيقة إن لم يترافق مع التحول نحو نظام ديمقراطي يسمح لجميع الفعاليات العلمية والتربوية والثقافية بإبداء رأيها بالتعليم والتربية والسياسة والثقافة ، وإعطاء دافعية للعقل بالنقد والتفكير والسؤال ، والعمل لتحقيق التنمية المستدامة وتلبية حاجات سوريا الحقيقية..
المراجع
1- راجع كتاب مهدي عامل :في قضايا التربية والسياسة التعليمية،دار الفارابي ،1991..
2- راجع مقالة مها جديد: مجتمع مدني هش ومشتت، موقع البديل ..
3- راجع مقالة غرامشي : في البحث عن المبدأ التربوي، في كتاب فكر غرامشي مختارات ،دار الفارابي ..
4- راجع مقالة إبراهيم حميدي : الأرياف السورية تغذي المدن بالمتشددين، صحيفة الحياة.
5- راجع كتاب الدكتورة كهيلا بوز: طرائق تدريس الفلسفة، منشورات جامعة دمشق ،عام 1998 من ص 457- 466 …
6- اقرأ مقالة عمار ديوب : سياسة الليبرالية السورية في التعليم المفتوح ، موقع البديل 


المصدر
http://penible-digne.maktoobblog.com/1517472/%D8%AA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%85-%D8%A3%D9%85-%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%AA%D8%AC%D9%87%D9%8A%D9%84/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق