الأحد، 4 نوفمبر 2012

خواطر حول إصلاح التعليم 2/2

الصباح : بقلم: د.الفاضل حرزلي - بعد استعراضه لمواطن الداء في المنظومة التربوية قدّم الكاتب بعض المقترحات لاصلاح التعليم وخلص في نهاية في الجزء الأول من مقاله الى وجوب مراجعة غايات التعليم وأهدافه وفي النصف الثاني من المقال يقول الكاتب :
إعادة النظر في تكوين المدرسين
 إن الإلمام بأهم نظريات التعلم يطرح مسألة مهمة تتعلق بمراجعة التكوين البيداغوجي والتعلمي للمدرسين إذ لم يعد المدرس في القرن الحادي والعشرين المصدرالأوحد للمعارف والمعلومات بل أصبح مطالبا :
 -بالقيام بوظائف جديدة مثل الإصغاء والمساعدة البيداغوجية ومرافقة التلاميذ والتفريق بين وضعيات التعلم (أستولفي، 2003 ،(
باكتساب كفايات جديدة إضافة إلى كونه مختصا وخبيرا في مادة تدريسه، فهو في حاجة ماسة إلى معرفة ابستمولوجيا مادته وتاريخها ونشأة مفاهيمها ومشاكلها الابستمولوجية الراهنة قصد فهم أخطاء التلاميذ والصعوبات التي تعترضهم أثناء التعلم،
بمعرفة العلاقات التي يبنيها التلاميذ مع المعارف المدرسة وذلك من خلال استكشاف تصوراتهم والتفطن إلى صعوبات التعلم وعوائقه.
وتحتل التعلمية في تكوين المدرس -سواء أكان جديدا أو قديما- مكانة متميزة لأنها تزوده بجملة من الكفايات التعلمية والبيداغوجية تؤهله للقيام بمهمة التعليم الصعبة والمعقدة. وقد يعتقد البعض أن التجربة البيداغوجية للمدرس وحدها كافية لتيسيرمهمته لكن هذا الرأي لا يصمد أمام النقد لأن تأسيس الممارسة المهنية على التجربة فقط يطرح عدة مشاكل على غرار: ماذا نفعل مع المدرسين الجدد؟ وهل في انتظار اكتساب التجربة البيداغوجية نحرمهم من تكوين تعلمي وبيداغوجي يجنبهم التردد والأخطاء ويجنب تلاميذهم دور فئران المختبر؟
ومن ناحية أخرى يبدو الاعتقاد بأن التجربة البيداغوجية وحدها كافية لتأهيل المدرس للقيام بمهمته على أفضل وجه أمر غير مقبول لأن التجربة عادة ما تكون ملتفتة إلى الوراء وخالية من البعد الاستشرافي وبالتالي لا تساعد على التجدد والتغير والتغيير؛ فهي عامل خمول وجذب إلى الوراء من شأنه أن يحبس المدرس في المعتاد بينما يكون الموقف الاستشرافي المتجه إلى المستقبل كفيلا بضمان التقدم والتغيير وهو موقف لا يمكن أن يتأتى إلا من فكر متفتح على الجديد والطريف تغذيه التعلمية الناقدة والمتيقظة (شبشوب، 2005). يضاف إلى هذا حجة عامة تتمثل في أن التعليم للجميع الذي أصبح ميزة من مميزات القرن الحادي والعشرين يفرض على المدرسين طرائق جديدة للتدخل وهو ما أكدت عليه الباحثة الفرنسية موريس شاسترات (2001) عندما قالت ما معناه"لقد فرض المرور من التربية النخبوية إلى التربية للجميع على الممارسات التربوية الانتقال من الطرائق التقليدية التي تحل المشاكل بعد وقوعها إلى طرائق استشرافية تستند إلى أسس نظرية قوية مثل النمذجة تسمح بتحليل المشاكل قبل وقوعها".
كيف نشجع على نقل أثر التعلم؟
يستمد الفعل البيداغوجي والتعلمي شرعية تبريره من فرص نقل أثر التعلم (Transfert des apprentissages) التي يتيحها وبالإضافة إلى ذلك لا تكون المعرفة أوالمهارة المكتسبة قابلة للنقل في مختلف الوضعيات القريبة والبعيدة سواء أكانت مدرسية أو مهنية إلا إذا تمت السيطرة عليها بالكامل. وهنا يطرح السؤال الأساسي: كيف نعزز عمليات نقل أثرالتعلم؟
إن نقل أثر التعلم هو"تطبيق حل معروف على وضعية لم نتعرض لها قط، ويقوم على القدرة على التعميم والقدرة على التجريد" (Rieunier, A & Raynal, F., 1997, p. 368). والقدرة على نقل سلوك معين من وضعية إلى وضعية أخرى مشابهة لكنها مختلفة من حيث البيانات الإدراكية هي خاصية من خاصيات نشاط الذكاء. وقد عرف "غود" (Good, C.V) نقل أثرالتعلم على أنه " تأثير عادة أو قدرة أو فكرة أو مثل أعلى على الاكتساب أو الاقتدار أو إعادة التعلم المرتبطة بخاصية أخرى مماثلة" وهذا التأثير من شأنه أن ييسر تعلما جديدا (حينئذ نتكلم عن نقل ايجابي) ، أويؤخرأو يمنع تعلما جديدا (حينئذ نتكلم عن نقل سلبي) أو يحدث أثرا ضئيلا (حينئذ نتحدث عن النقل الصفري). ووفقا ل"بارلبا" (P. Parlebas) "يكون هناك نقل إذا أدى إجراؤ ما إلى تغيير ايجابي أو سلبي إلى تحقيق أداء جديد أو إعادة إنتاج أداء قديم" فإذا كانت النتيجة ايجابية هناك تيسير وإذا كانت سلبية هناك إعاقة أو تداخل وحسب "بينون"( B. Pinon) هناك نقل "عندما يغير تعلم ما تعلما آخر وما يليه أو ما يسبقه سواء بتيسيره أوبالتداخل معه ويسمى نقلا استباقيا إذا غير ما يليه وفي الحالة العكسية نتحدث عن نقل ذي أثررجعي. وإذا كانت الآثار ايجابية نتحدث عن التيسير وإذا كانت سلبية نتحدث عن التثبيط .
وقد اهتم علم النفس التجريبي بتوضيح الظروف الخارجية والعوامل الفردية التي تؤثر على عملية نقل أثر التعلم وحيث أن المعرفة أو المهارة لا تكون تحت السيطرة الكاملة إلا إذا كانت قابلة للتحويل إلى وضعيات أخرى قريبة أو بعيدة مدرسية كانت أومهنية. ولتشجيع عمليات نقل أثر التعلم لدى التلاميذ نقترح على المدرسين:
التفكير في أنشطة تعلم تشريك التلاميذ في مهام مماثلة لتلك التي ستطلب منهم في حياتهم المهنية.
التقديم الواضح لهدف الدرس باعتباره مهمة أو مشروعا مطلوبا تحقيقه.
التعرف إلى ما حققه التلاميذ أو ما تعلموه من معارف متصلة بما يقدم إليهم وحملهم على وصف تجاربهم وإعادة صياغة ما يقولون ومساعدتهم على القيام بالروابط مع المفاهيم المعروضة عليهم.
حمل التلاميذ على توضيح أهدافهم عند الانخراط في مهمة أو مشروع ما.
توضيح طريقة النشاط والاستراتيجيات المستخدمة لكي يتملكها التلاميذ من أجل البقاء في حالة نشاط على مستوى المعرفة وما وراء المعرفة.
توجيه أسئلة إلى التلاميذ في حال تعرضهم لعقبات حتى يتسنى لهم توضيح ما يعتبرونه صعوبات وتحديد عناصر الوضعية وما تعلموه من معارف حول الموضوع وما يرجعون إليه كمصادرلتعميق معارفهم وإيجاد حل للوضعية المشكل.
استخدام الخبرات والأسئلة والمواقف التي يدلي بها التلاميذ كمدخل لشرح المفاهيم.
وهكذا بدلا من اكتساب معارف مجزأة يكون الإدماج ونقل أثر التعلم هما المستهدفان. ولتحقيق ذلك وجب تركيز الاهتمام على العملية التي يطعم بها المتعلم معارفه السابقة بمعارف جديدة فيعيد بالتالي هيكلة عالمه الداخلي ويطبق المعارف المكتسبة على وضعيات جديدة ملموسة. وهذه وجهة نظر تتطلب من المدرسين إعادة النظر في دورهم والقيام بالنقد الذاتي لتغيير ممارساتهم التعليمية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق