الثلاثاء، 23 أكتوبر 2012

مثَلُ وزارة التربية كمثَلِ "من يهدي نظارات طبية إلى ضرير". مواطن العالم د. محمد كشكار

تكوين المدرسين في الإعلامية قبل تكوينهم في الإبستومولوجيا و علم نفس الطفل، مثَلُه كمثَلِ"من يهدي نظارات  طبية إلى ضرير". مواطن العالم د. محمد كشكار

أنزلت وزارة التربية و التعليم التونسية أخيرا منشورا يحث المدرسين ابتدائي و إعدادي و ثانوي على التكون في مجال الإعلامية [ استعمال الحاسوب و البرمجيات و السبورة التفاعلية لأغراض التدريس في القسم ( .Les T.I.C.E). احتج المدرسون النقابيون على الوزارة و عارضوا التكوين في العطل المدرسية و طالبوا بأجر مناسب للمدرس المكوّن بكسر الواو
سبق لي أن عملت مكونا لأساتذة علوم الحياة و الأرض لمدة عامين. يستغرق إعداد حصة التكوين نصف شهر تقريبا. أعرضها و أناقشها مع الزملاء خلال أربع ساعات. أتقاضى على كل ساعة تقريبا دينارين و نصف [ما يقابل دولارين تقريبا]. هل أجرُ عشرة دنانير يساوي جهد نصف شهر من البحث و التنقيب؟ عندما تستدعي الوزارة محاضرا جامعيا لتكوين أساتذة الثانوي أو معلمي الابتدائي تغدق عليه في الحصة الواحدة من 100 إلى 200 دينار. أنا أحترم العلم و العلماء و الأساتذة الجامعيين و الناس أجمعين و أطالب بمساواة المكونين في الأجر خاصة أن الكثير من المكونين من أساتذة الثانوي حاصلين على شهائد مرحلة ثالثة مثل الماجستير و الدكتورا
أرجع الآن إلى موضوعي الأصلي الذي من أجله أكتب هذا المقال و هو يتمثل في تذكير الزملاء و الوزارة أن التكوين في الإعلامية مهم و لكن الأهم منه هو التكوين في العلوم الضرورية لأداء وظيفة المدرس على أحسن وجه و هي العلوم التالية: التعلّمية
 La Didactique  
و علم التقييم
  L'Évaluation
و علم نفس الطفل
  La psychologie de l'enfant
و الإبستومولوجيا
  L'Épistémologie
 و ربيبتها "إدراك عملية الإدراك
 La Métacognition
 لا تمثل الإعلامية علما بل أداة تكنولوجية عاجزة بذاتها وحدها و لا يمكن تفعيلها دون استعمال العلوم المنسية في التكوين. تحرص الوزارة على التكوين في الإعلامية فقط و تهمل العلوم الأخرى فمثلها كمثل "من يهدي نظارات طبية لضرير
أذكّر زملائي أولا و الوزارة ثانيا بأهمية العلوم المذكورة أعلاه لعل الذكرى تنفع المتعلمين
v    تهتم التعلّمية  
 La Didactique
بالمعرفة و علاقتها بالتلميذ و المدرس أكثر من اهتمام البيداغوجيا بطرق التدريس. يركّز هذا العلم خاصة على كيفية تعلم المتلقي و يعلّمه كيف يتعلّم. عدم إلمام المدرسين بهذا العلم يفسر مقولة العالم الابستومولوجي الفرنسي باشلار " المدرسون لا يفهمون أن تلامذتهم لا يفهمون

v    علم التقييم  
[  L'Évaluation
علم قائم الذات يدرّس في الجامعات. تسمح آليات هذا العلم بتقييم مكتسبات التلميذ قبل و أثناء و بعد الدرس. تساعد نتائجه على تحسين مردود المعلم و المتعلم. مثل المدرس الذي لم يدرس أكاديميا التقييم كمثل "تاجر يزن سلعة دون ميزان

v    يفتح "علم نفس الطفل
 [  La psychologie de l'enfant
 عيون المدرسين على عالم الطفولة و المراهقة و يكشف لهم "ما خفي من جبل الجليد النفسي عند التلميذ" فتتوضّح لديهم الرؤيا و يظهر لهم أن "اللامعقول في تصرفات التلميذ هو في صلب المعقول النفسي", فيعذرون حينئذ و يفهمون أسباب و عمق بعض السلوكيات التلمذية العنيفة أو الخارجة عن المألوف و يكفّون عن التعامل مع التلميذ كما يتعامل " عالم النفس السلوكي مع فأر التجارب يحدد له المدخل و المخرج في المتاهة

v    الإبستومولوجيا
 [ L'Épistémologie
 هي "مبحث نقدي في مبادئ العلوم و في أصولها المنطقية" و تهدف إلى الكشف عن الآليات و المفاهيم التي تعتمدها الثقافة في إنتاج المعرفة و نقدها. هي "معرفة المعرفة أو نظرية المعرفة العلمية". يحتاج لهذا العلم كل من يدرّس العلوم معلما كان أو أستاذا.  عندما يعرف المدرس أن العلم لم يلد كاملا بل تكوّن على مراحل و بعد أخطاء جسيمة ارتكبها العلماء العظام, حينئذ يعذر و يتسامح و يفهم أخطاء التلميذ و لا يحمّله ما لم يقدر عليه كبار العلماء و هو الفهم المباشر و السريع للمسائل المعقدة في الرياضيات و الفيزياء و علوم الحياة و الأرض

v    أما "إدراك عملية الإدراك
 La Métacognition
 فيتمثل "في التفكير في آليات التفكير و في معرفة أننا نعرف و في اختيار الطريقة الأنسب لحل المشاكل" و كما قال بيار قريكو: " لو أن الإنسان الذي يقول لا أعرف, عرف لماذا يقول لا, لكان قادرا على تحديد نعم المستقبلية" أو كما يقول المثل الصيني المشهور " لا تعطني سمكة بل علمني كيف أصطاد"  و السمكة في التعليم هي المعلومة و تعلّم الصيد هو "إدراك عملية الإدراك". أثناء "إدراك عملية الإدراك" ينشط التلميذ ذهنيا و ليس تطبيقيا و قد ثبت أن هذا النوع من النشاط الذهني البحت يسمح بالوعي و الشعور بالإجراءات و الطرق و السيرورات الذهنية الموظفة لحل المشاكل و يرسّخ اكتسابها
(  wikipédia

خلاصة القول
جل الأساتذة لم يدرسوا هذه العلوم في الجامعة و أنا اكتشفتها بعد 24 عام تدريس و الأستاذ أقل حظا من المعلم في هذا المجال و حتى من علم و تعلم لا يستطيع أن يطبق النظريات الجديدة في نظام تعليمي يعتبر الارتقاء الآلي ديمقراطية و التقشف في استعمال الطباشير حكمة. مدرسة ابتدائية دون ميزانية و ميزانية المعهد تصرف في تسخين مكاتب الإداريين و طباعة الامتحانات و المناشير. السبورة التفاعلية [Le tableau interactif  ] ليست عصا سحرية سوف تخرج تعليمنا من المحلية إلى العالمية و لن تغير بين عشية و ضحاها وضعا متخلفا و تسيبا عاما و تجهيزات مهترئة و أجورا زهيدة و بيروقراطية متكلسة و قرارات فوقية و إملاءات خارجية و خريجين عاطلين عن العمل لمدة سنوات
أنا عندي تجربة بسيطة مع توظيف التكنولوجيا الحديثة في التعليم: منذ ثماني سنوات و بضربة حظ, جهز لي وزير التربية التونسي السابق منصر رويسي مخبرا بعشر حواسيب لتدريس علوم الحياة و الأرض في معهد برج السدرية و منذ  تاريخ مغادرة الوزير للوزارة في 2001 نسوني و تركوني أتخبط وحدي دون فأرة و دون برمجيات و دون صيانة و دون تجديد الحواسيب حتى هرمت و لم تعد صالحة للاستعمال
في فرنسا لا تدرس الإعلامية كمادة مستقلة بل تستعمل كأداة تدريس في كل المواد منذ عام 2000

إمضاء د. م. ك
لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه. عبد الله العروي
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد المفيد
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي

التاريخ
حمام الشط في 19 مارس 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق