الجمعة، 10 أغسطس 2012

رهانات النظام التربوي التونسي بعد الثورة-الجزء الأوّل(01)-


مقدمة
    يعدّ إصلاح النظام التربوي عصب التغيير الاجتماعي والاقتصادي لتونس ما بعد الثورة.لذلك انبرت أقلام تونسية عديدة في الكتابة والبحث حول النظام التربوي البديل في حرص منها على وضع أسس جديدة لتكوين النّاشئة وأجيال الحاضر والمستقبل بشكل يضمن لهم حقوقهم في الشغل والعيش الرغيد مع الكرامة والحرية المسئولة. وهذه محاولة أسوقها استجابة لدعوة من صديقي العزيز الدكتور مصدّق الجليدي الأستاذ بجامعة القيروان ورئيس الجمعية التونسية لتطوير التربية المدرسية.وانطلق  في ذلك من السؤال الجوهري التّالي:
ما هي الضمانات التي يجب أن يوفرها النظام التربوي التونسي البديل لتلبية طلبات تونس الثورة باعتبار النسبة الكبيرة للشباب المعطل عن العمل والحاجة إلى تحسين قدرة  خرّيج المدرسة التونسية التنافسية دوليا والقيود الاقتصادية والاجتماعية الضاغطة؟
   وسأحاول الإجابة عن هذا السؤال بوصف بعض مظاهر النظام التربوي القائم والتساؤل حول ما يجب أن يكون عليه النظام التربوي التونسي البديل متبعا العناصر التّالية :
1- ما هي المبادئ الأساسية العامّة التي نبغي أن يقوم عليها النظام التربوي؟
     -الإطار التونسي والعربي والعالمي المحدّد لحركة الفكر والممارسة التربوية في تونس.
     - دور المدرسة في خلق قيم إنسانية جديدة .
2- ماذا يمكن أن نطوّر في البرامج الرسمية للتعليم( الأهداف والمحتوي والمقاربات البيداغوجية)؟
3- ما هي الملامح والأدوار المطلوبة من معلّم اليوم كي نكسب رهانات المستقبل؟
4 - كيف يمكن للمؤسّسات التربوية أن تساهم في حلّ مشكلات منظومة التشغيل؟
5- مراحل التعليم ودور كلّ مرحلة من مراحل الدّراسة في تحقيق تكافؤ الفرص التعليمية والتشغيلية.
   - أهمّية مرحلة ما قبل الدّراسة في تحقيق تكافؤ الفرص التعليمية.
   - تكافؤ الفرص في المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية.
   - تطوير وظائف التعليم العالي والبحث العلمي وبرامجه ليستجيب لحاجات المجتمع.
6- هيكلة الإدارة التربوية ومهامها وتقاسم المسؤوليات فيها على المستوى الوطني والجهوي أو الإقليمي والمستوى المحلّي والمؤسّساتي.
7- ما هي الأدوار الجديدة لهيئة التفقّد البيداغوجي في تسيير و تطوير مردود المنظومة التربوية ؟
8- من أين ستموّل عمليات التطوير؟وكيف يمكن أن تدار الجودة الشاملة ؟
وأسأل اللّه التوفيق

النص   
 1-                 ما هي المبادئ الأساسية العامّة التي نبغي أن يقوم عليها النظام التربوي؟
1-1- المبادئ:
     تعميم التعليم ليشمل الجنسين والرّيف والحضر إلى جانب مجانيته وإجباريته هي من المبادئ التي تعتبر من المكاسب التونسية التي ينبغي الحفاظ عليها. ونظيف إليها أنّ التعليم بكلّ درجاته يجب أن يساهم في تقليص الفروق الاقتصادية والاجتماعية بين المدينة "المتحضرة "  والرّيف "البادية" مع اعتماد مبدأ استقلال التعليم بنفس المعنى الذي نفهم به استقلال القضاء. هذا مع الحرص على أن تتمثّل الأجيال الدارسة القيم الاجتماعية التونسية الإسلامية والعربية مع التفاعل إيجابيا مع  القيم الإنسانية أو الكونية.  ويجب أن تتنزل تنمية قدرات المتعلّمين على الإبداع وتملّك كفايات تعلّم المعارف والمهارات والاتجاهات التي تضمن لهم حلّ المشكلات والتكيّف مع ظروف الحياة الاقتصادية والاجتماعية المحلّية والدولية. وهو ما يحيل إلى السؤال عن دور المدرسة في إنجاز تعليم يحقّق التنمية لبلادنا ويرسّخ لدينا قيم الحرية والكرامة والعدل والحداثة دون التفريط في الهوية ودون انعزال.
1-2-دور المدرسة في خلق قيم إنسانية جديدة :
 تؤكد نتائج عدّة دراسات أنّ مؤسسات التعليم بمختلف درجاتها قد قطعت شوطا ملحوظا في مجال استقبال أعداد متزايدة من المتعلّمين إلا أنّه لم يتمّ بذل الجهد الكافي للإعداد النوعي لروّادها. فالدّور الأوّل المنشود من مدرسة النظام التربوي البديل هو التجويد النوعي للتعليم والتعلّم.
   واعتماد المدرسة التّام على تنفيذ قرارات تصدر من مراكز عليا ، بعضه ليس له المؤهلات الكافية لإصدار القرارات في التربية، افقدها استقلاليتها في تبليغ الرسالة العلمية والاجتماعية المناطة بعهدتها. فيطلب منها ، بعد الثورة أن تعمل على تعزيز تلك الاستقلالية وإتاحة الفرص للإبداع  في إطار احترام الهوية والتفاعل مع الجديد.
   ويطلب من المؤسّسات التونسية  الاهتمام باللغة العربية كأحد المتطلبات الأساسية لبناء الشخصية التونسية، ووضع اللغة العربية ضمن مكوّنات منظومة المعلوماتية، وجعلها لغة بحث وتدريس.
  ولتنجح المؤسّسة التونسية في خلق قيم إنسانية جديدة لا بدّ لها من إشراك مؤسّسات الإنتاج والخدمات ومنظمات المجتمع المدني في صياغة خطط التعليم وبرامجه وزمنه وتوفير تجهيزاته.
2-                 ماذا يمكن أن نطوّر في البرامج الرسمية للتعليم؟
   نرى ، بصفة خاصّة، ضرورة إعادة النظر في أهداف النظام التربوي ومقارباته البيداغوجية، على أن لا تكون إعادة الصياغة  من مهام لجان في هياكل سياسية متعصبة لإيديولوجية معيّنة، بل أن تتمّ ضمن هيئة مستقلّة عليا للتربية (مجلس أعلى للتربية) تتركب من خبراء مختصين في التربية إلى جانب ممثلين عن مختلف المهتمّين بالشأن التربوي:
2-1- أهداف النظام التربوي ومحتوياته:
    هل يحق لطرف سياسي واحد أن يحدّد ماذا نتعلم؟ ولماذا نتعلم؟ وبالتالي صياغة أهداف النظام التربوي وغاياته والكفايات الضرورية ومكوّناتها؟ ذلك ما كان يحدث، مع الأسف، بالجمهورية التونسية منذ نصف قرن. فقد أنهى بورقيبة تعدّد المرجعيات الذي كان في تونس في عهد الحماية (تعليم زيتوني/ تعليم صادقي/ تعليم فرنسي لرفع الأمية عن البعض) وأرسى نظاما دراسيا موحّدا استنفد أغراضه بعد السبعينات من القرن العشرين، وجاءت حينها الطلبات العديدة لبناء نظام تربوي أكثر فاعلية، وبدلا من تأسيس نظام يقوم على تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية ويهدف إلى بناء الشخصية التونسية وتحقيق الذات بكل أبعادها وإلى تكوين إنسان قادر على التحكم في صنع مصيره كما كان مصرحا به، تأسّست مدارس تدعى نموذجية للمتفوقين جدّا تتوفر فيها المعينات والتجهيزات التعليمية الحديثة ويقدّم فيها تعليم معمّق من جهة، ومدارس تشكو الفقر والاكتظاظ لا يتوفر فيها الحد الأدنى من المعينات والتجهيزات وهي التي تؤمها الأغلبية الكبرى من التلاميذ من أبناء الفئات الشعبية الفقيرة.وهو ما دفع عديد العائلات إلى التضحية بالغالي والرخيص واللجوء إلى مدارس القطاع الخاص والدروس الخصوصية باهظة الثمن.
   وهل ستكون مرجعيتنا في صياغة أهداف النظام التربوي البديل مجتمعنا وإنسان مجتمعنا أم مجتمعات أخرى و إنسان آخر غير إنسان مجتمعنا؟
   لقد بينت نتائج تقييمات دولية عديدة أنجزت خلال العشر سنوات الماضية، منها 'البرنامج الدولي لمتابعة مكتسبات التلاميذ' (‏Programme International pour le Suivi ‎des Acquis des élèves‏) الذي احتلت به تونس المراتب الأخيرة في تقييم دولي يتعلق بقياس كفاءة النظم التعليمية للبلدان، والقدرات الاستيعابية للتلاميذ في ‏الميادين العلمية، واحتوى على عديد المؤشرات، تراوح ترتيب تونس فيها مابين المرتبة‎ ‎قبل الأخيرة بدرجة وقبل ‏الأخيرة بأربع درجات في أحسن الأحوال، على مقياس يحوي 57 دولة ، وتتمحور اختبارات ( PISA) حول ‏القراءة والثقافة في الرياضيات وفي العلوم، ويقع طرح هذه الاختبارات في شكل استجواب معمق.‏ولا تعتمد اختبارات هذا البرنامج على برنامج تعليمي محدد كمقياس، بل تختبر قدرة التلميذ على تطويع معارفه في مواجهة ‏الحياة العملية.‏ فنظامنا السّابق الذي احتل تلك المراتب لم يبن لا على مرجعية وطنية ولا مرجعية دولية. ونرجو أن نرى نظامنا التربوي البديل يعمل على أن تكون:
     *  التربية مكوّنا أساسيا من عملية التنمية
     *  تربية ملائمة للأولويات الاقتصادية والأهداف المستقبلية
     *   تربية آخذة في اعتبارها التوزيع العادل للموارد المتاحة والمتطلبات التنفيذية.
     * تربية واجبة وحق للجميع.
     * تربية تواكب العصر وما يقع من تحوّلات تقنية واقتصادية وطنية ودولية ونتائج البحث العلمي.
     * تربية تنطلق من مداخل جيدة وتنتهي إلى مخرجات جيّدة.
     * تربية تعدّ الفرد والجماعات لحياة المواطنة والمشاركة الديمقراطية ، وتعزّز  الانتماء العربي الإسلامي لدى الناشئة.
     * تربية تدعم قيم الحرية والعدالة والتسامح والكرامة للفرد والمجتمع التونسي وتنمّي شخصية المتعلّم من جوانبها المتعدّدة..(*)
2-2- المقاربات البيداغوجية:
  ترمي كلّ المقاربات البيداغوجية في الأصل إلى ترشيد العمل التربوي من خلال تجويد مدخلاته وعملياته ونواتجه.وتبدوا المقاربات (المقاربة بالمشروع/ المقاربة بالأهداف/ المقاربة بالكفايات/ المقاربة التواصلية ) تطويرا مطردا لأهداف وأساليب ونواتج العمل التربوي لكنّ كيفية تطبيق المقاربة هو الذي يختلف من بلد لآخر شكلا ومضمونا، ففي الولايات المتحدة مثلا تتأسّس ممارسات المدرسين في الابتدائي على بيداغوجيا المشروع داخل المؤسسات التي تدعي تطبيق المقاربة بالكفايات  وتنتهي إلى اكتساب معلومات ومهارات واتجاهات تتصل بكلّ مجالات الحياة وتساهم في تنمية المجتمع والإنسان،وهي ممارسة يختارها المعلّمون والمجتمع المحلّي ويساهمون في إنجاحها. بينما تتأسّس في تونس الممارسة القسرية للمقاربة بالكفايات على إدماج مهارات( لغوية/تقنية/رياضية/بدنية) أي أنّها تقوم على مقولة معارف أقل ومهارات أكثر وتنتهي إلى تطويع المتعلمين وتجعل منهم أدوات تنفيذ وليس ذوات فاعلة مكتشفة وناقدة وباحثة ومخترعة، وهو ما يزيد ترسيخ تبعية مجتمعنا للأمم المتقدمة على كل الأصعدة.
------------
هامش:(*)-لو نظرنا أوّلا في محتوى البرامج الرسمية للمرحلة الأولى من التعليم الأساسي لسنة2004، نجد أنّها مصابة بعلل عديدة ، نذكر منها:
       أ -  وجود تناقض بين كثير من الأهداف  والوسائل المتوفرة( مثل هدف استعمال تكنولوجيات المعلومات والاتصال في التعليم  هدف سام لكنّ الوسائل المتوفرة وتكوين المدرسين غير ملائمين لتحقيق هذا الهدف/ المطالبة بالانطلاق من الزيارات الميدانية في دروس التاريخ في غياب وسائل تحقيق الزيارات وتعقّد الإجراءات الإدارية/إلخ).
      ب -  قلّة واقعية تلك البرامج : فهو يشمل مجالات تعليمية كثيرة قابلة لأن تكون مدمجة ضمن تعلّمات أساسية، فمحتوى وأهداف التنشئة الاجتماعية(تربية إسلامية/تربية مدنية/تاريخ/جغرافيا) مثلا يمكن أن تتحقّق في جزء منها من خلال نصوص تدمج ضمن كتب القراءة لمختلف مستويات المرحلة الابتدائية . فينبغي أن لا تكون سيطرة التوجه العقلاني في التعليم  الذي يدعو إلى الفصل بين المواد والضبط سببا في إفراغ تعليم القراءة والكتابة والعلوم من محتواها الأخلاقي وبعدها الإنساني.
      ج- عدم شمول تلك البرامج مجالا هاما من العمل التربوي وهو التربية البدنية. فقد غاب الحديث عن أهداف ومحتوى ومنهجية التربية البدنية  عن البرامج الرسمية منذ 2004 الأمر الذي جعل معلّمي المدارس الرّيفية والنّائية يعملون في المجال وفق الاجتهاد الفردي إن لم نقل الارتجال.
     فالمدارس الحضرية يعمل بها معلمون وأساتذة مختصون في التربية البدنية منتدبون من وزارة الشباب والطفولة، بينما مدارس الرّيف تبقى دون مختصين ودون برامج تساعد معلم التعليم العام على اهتداء السبيل عند قيامه بمهمة تنشيط حصص التربية البدنية.
       فنوصي بأن يعاد النظر في البرامج الرسمية للتربية والتعليم في المرحلة الابتدائية، فتقع صياغتها بشكل يجعل منها مرجعا بيداغوجيا يساعد المدرس على تحقيق تعليم كاف ذي أهداف واضحة وبمنهجيات مرنة تمكّن كلّ فرد من الحصول على فرص لتنمية قدراته وتنشئه  على المساهمة الفاعلة والإيجابية في تقدّم بلاده الاجتماعي والثقافي والاقتصادي. ذلك أنّنا نعتقد أنّ النماذج والنظريات المستوردة من الشرق أو من الغرب هي من طبيعة تطبيقية ومعيارية لذلك نرى ضرورة إخضاعها الدّائم للفحص والتجريب والتحليل على أن تقاس نتائج التجريب بمقياس واقعنا الثقافي وطموحنا الاجتماعي والاقتصادي دون الإغراق في  التمسّك بالعادة والتقليد .
 من مقال«مراجعة المنظومة التربوية» لحسن الجمني نشر في ماي 2011 على صفحات الواب وموضوع لدى المؤسسة الوطنية لحقوق المؤلفين بتونس.
 رجوع إلى النص:
   وقد تمّ تطبيق المقاربة بالكفايات بتونس قسريا ورغم رفض المعلّمين واستغراب المجتمع المدني منها، وفي تجاهل تام إلى نماذج ومشاريع تطويرية قام بها العديد من المربين التونسيين في مبادرات خاصة وناجحة مثل تجارب الأستاذ البشير الهاشمي بقابس.
  فالاهتمام بتطوير نسب النجاح والحدّ من الإهدار شرعي على أن لا يكون على حساب الجودة التعليمية التي أصابها نتيجة ذلك الميوعة والتساهل والضعف، فقد تحقّقت بتونس نسب نجاح مرتفعة أحيانا إلاّ أنّ تلك النسب لا تعكس تكوينا جيّدا ولا تأطيرا علميا وبيداغوجيا يستجيب لحاجات التنمية.
3- ما هي الملامح والأدوار المطلوبة من معلّم اليوم كي نكسب رهانات المستقبل؟
   لا يختلف خبيران من المختصين في التربية على الإقرار بأهمّية تطوير أداء أعضاء هيئة التدريس المهني في تجويد مخرجات النظام التربوي. لذلك تحدونا، بعد الثورة، رغبة في إحداث نقلة نوعية في مستوى أداء المدرّسين ونتائج التلاميذ والطلبة. و لا يمكن أن يتحقّق ذلك دون مراجعة معمّقة لنظم التكوين الأساسي للمدرسين ونظام التكوين المستمر وطرق الانتداب والإثبات وآليات الحراك المهني. و يجب الانطلاق في كلّ ذلك من مطالب الثورة (التشغيل اللائق والحرية المسئولة والكرامة والعدالة الاجتماعية).
   فأوّل مواصفات المربّي المنشود، ضمن النظام التربوي البديل، أن يكون مربي تونس الغد مؤمنا بمبادئ الثورة التونسية إلى جانب ما يشترط تقليديا ضمن الأدبيات ذات الصلة بملامح المدرس، وتتوزّع بين أربعة أبعاد أساسية:
3-1- البعد الأكاديمي:
   - متمكن من مادّة التدريس.
   - يربط بين المعرفة العلمية والواقع المحيط.
   - له كفايات في تحليل المادة العلمية.
   - مطلع على أحدث الاكتشافات والتطورات العلمية الحديثة.
3-2- البعد المهني:
   - يحسن التواصل .
   - منهجي في تنشيط الدرس.
   - يشجع على التفكير والبحث.
   - يرحب بالمناقشة.
   - يتسامح مع الأخطاء ويستثمرها.
   - متمكن من المقاربات البيداغوجية.
   - يصوغ عقودا تعليمية تعلمية مع منظوريه ويحترمها.
   - ينوّع في أساليب التدريس.
   - يراعي  للفروق الفردية بين المتعلمين.
   - يتفهم الخصائص النفسية للمتعلمين .
    - يوزّع التدخلات بين المتعلمين بفرص متكافئة.
    - يقدم تغذية راجعة للمتعلمين.
    - يستعمل أساليب تقويم مختلفة.
    - ملمّ بالمشكلات التربوية.
3-3- البعد الشخصي:
    - لديه صوت واضح ومسموع.
    - يعتني بالنظافة وحسن المظهر.
    - بشوش.
    - متزن في ردود أفعاله.
    - خال من العيوب الخلقية التي تؤثر سلبا على  عمله .
    - منظم ويحب النظام.
3-4- البعد الأخلاقي:
    - يستمع إلى التلاميذ أو الطلبة ويحترم آراءهم.
    - يؤمن بالقيم الأخلاقية .
    - يراعي المشاعر الوجدانية للطلبة أو التلاميذ.
    - يحترم شخصية التلميذ أو الطالب بغض النظر عن نجاحه أو فشله.
    - يعمل على بث روح الانتماء لدى التلاميذ أو الطلبة.
    - إيجابي مع التلاميذ أو الطلبة.
    - يقيم علاقات طيبة مع الآخرين من تلاميذ أو الطلبة وزملائه.
 وهي مجموعة من المواصفات أوردها على سبيل الذكر لا الحصر، وتبقى دائما مواضيع بحث علمي وتكوين وتدريب في كلّ مراحل التعليم ولفائدة كافّة أعضائه. ولا يتوفّر جلّها لدى مدرس اليوم لأسباب لا تعود لتقاعس منه أو إهمال بل لأسباب مؤسّسية(2).
------------------------
هامش:(2)- يحتل المعلّم مكانة هامّة في العملية التربوية وفق كلّ النماذج المتوفرة في العالم المعاصر. بل يؤكّد جلّ الخبراء في التربية على أنّ نجاح العملية التعليمية لا يتمّ إلاّ بمساعدة معلّم يتمتّع بكفايات معرفية بالمادة الدراسية وكفايات بيداغوجية ولديه ميل للتعليم. وشهدت أدوار المعلّم في مختلف بلاد العالم تطوّرات خلال الحقبات التاريخية منذ عصر الإغريق حتّى عصر الذرّة، إلاّ أنّها تعطلت بتونس خلال العشرين سنة الماضية . وذلك للأسباب التّالية خاصّة:
  أ-  خلل في نظام الانتداب:فكثيرا ما يقع انتداب معلّمين ويقع تكليفهم بالتدريس في مدارس ريفية نائية دون أيّ تكوين بيداغوجي ، كمن يرمي بدويا في البحر دون أن يعلّمه السباحة. ويترتب غالبا عن ذلك أن يكتفي المعلم بدور التلقين وحشو الأدمغة بالمعلومات أو دور شرح النصوص ، وهي أدوار تقليدية عفا عنها الزمن.
  ب- خلل في نظام التكوين الأساسي للمعلّمين (مدّة التكوين/ أهدافه/برنامجه/ انعدام توافق بين بعض الأهداف والممارسات التطبيقية).
  ج- استهتار بالتكوين المستمر أثناء الخدمة : يبدأ من فرض وزارة التربية لبرنامج التكوين على المتفقّد ثمّ  عدم قيام مؤسّسات التكوين المستمر بمهامها على الوجه المطلوب، و عدم تثمين مشاركة الموظف في الحلقات التكوينية والملتقيات والندوات ، الأشياء التي تحدّ من إقبال المعلّمين على التكوين المستمر أثناء الخدمة و يحضره بعضهم مجاملة في المتفقّد البيداغوجي المكوّن.
  د- عدم الاهتمام بالشهائد العلمية والاختصاص: فالمعلم المتحصل على الماجستير يعمل نفس عدد الساعات ويقبض نفس مرتّب المعلّم المتحصّل على شهادة ختم الدروس الثانوية، الشيء الذي يجعل الأوّل يشعر بالضيم ويحدّ من إقباله على العمل والإبداع فيه.
    وأرى الحلّ في العمل على أن يصبح المعلّم  التونسي موظفا حرّا كريما يتمتّع بحقوق متساوية مع أمثاله في بقية العالم الحر المتقدّم. فيقوم بأدواره انطلاقا من تكوين أساسي متين وبمناهج حديثة تتفق مع خصائص المتعلّمين وما يتصفون به من استعدادات وذكاء وقدرات وميول واتجاهات وتراعي الفروق الفردية وتساعدهم على تحقيق الأهداف التعلمية التعليمية في وقت ملائم وبكلفة معقولة. وليتحقق ذلك أرى من الواجب:
  - أن لا ينطلق المعلّم في التدريس إلاّ بعد تلقّي فترة تكوين أساسي في البيداغوجيا وعلم النفس وأساليب التنشيط  وغيرها من المعارف التي يستوجبها التدريس لمدّة لا تقلّ عن سنة.
  -  أن يتمّ تأسيس مؤسّسات جامعية مختصّة في علوم التربية لتخريج المكوّنين في هذا المجال وتطوير البحث في ميادين التربية والتعليم.
 - أن تضع الحكومة برنامجا فعّالا للتكوين الأساسي للمعلّمين يشترك في صياغته خبراء تونسيون لديهم معارف أكاديمية وتطبيقية عالية مشهود بها.
- أن تترك للمتفقّد حرّية وضع برنامج التكوين المستمر للمعلمين وفق حاجاتهم  وتوفير الوسائل اللوجستية والإعانة البشرية التي يحتاجها تنفيذ البرنامج.
- أن تفعّل مراكز التكوين المستمر وتثمّن المشاركات في الدورات التكوينية بشهائد يقع اعتبارها في التدرج المهني.
- أن يقع اعتبار الشهائد العلمية عند الانتداب فيسمّى المتحصّل على الأستاذية أستاذا للمرحلة الابتدائية منذ أول يوم  له في المهنة مع تمتيعه بنفس الامتيازات المادية لأستاذ التعليم الثانوي .
  كما يقتضي تحسين ظروف عمل المعلّم مراجعة فلسفة المؤسّسة المدرسية وهيكلتها وتنظيمها وتمويلها وإدارتها إلى جانب ما سبق ذكره من مراجعة محتوى البرامج وأساليب التعليم وأوضاع المعلمين(مرتبات وحوافز وسكن)، وأوضاع التلاميذ  (صحة وتنقل ومقاعد وغيرها) بالاعتماد على دراسة واقع تحوّلات الشعب التونسي الجارية بعد الثورة وما سينتج عنها في المستقبل. فلا بدّ من مراجعة مراحل التعليم بالمؤسّسة المدرسية وهيكلته الإدارية والزمن المدرسي وأدوار المشرفين البيداغوجيين  ومنظومة التقييم والامتحانات والشهائد.
 رجوع إلى النص:
3-                 مراحل التعليم ودور كلّ مرحلة من مراحل الدّراسة في تحقيق تكافؤ الفرص التعليمية والتشغيلية:
    يعتبر انتشار مؤسّسات التعليم الابتدائي في كلّ القرى والمدن والأحياء ووجود مدرسة إعدادية واحدة على الأقل وأخرى ثانوية في كلّ معتمدية، إلى جانب وجود مؤسّسة جامعية  من التعليم العالي في كلّ ولاية، من مكاسب الشعب التونسي الذي راهن على التعليم منذ استقلاله عن فرنسا في 1956. وهو ما نرغب في تدعيمه بأن تتبني الدّولة مرحلة ما قبل المدرسة ( المرحلة التحضيرية ) حتى لا تكون مجالا للاتجار وربطها بمراحل التعليم الأخرى . فالتربية ما قبل المدرسية تهيئ الطفل وجدانيا وذهنيا واجتماعيا وحركيا لدخول المرحلة الابتدائية من خلال اللعب الموجّه.
 فنلفت انتباه الوزارة إلى ضرورة التركيز على الإحاطة بالمربّين في مرحلة ما قبل الدّراسة وتحسين ظروف عملهم حتّى تتمكن من الانتشار في كلّ الحضر وكلّ الرّيف والاضطلاع بمهامها.
   كما تحتاج المرحلة الابتدائية إلى إعادة نظر في جودة برامجها والكتب المستعملة فيها وتوفر الوسائل التعليمية العصرية بها ومدى مساهمتها في التربية على ترشيد الحس الوطني واحترام حقوق الإنسان والالتزام بمبادئ الديمقراطية.
   أمّا المدارس الإعدادية والثانوية فإنّها تشكو من الاكتظاظ في الأقسام ، وكثرة العنف المترتب عن عوامل عديدة منها نقص التكوين لدى إطار التدريس في علم النفس وعلم الاجتماع، لذلك نرى وجوب توفير المزيد من الموارد البشرية وفرص التكوين المختص لها مع التفكير في موارد مادّية لتغطية الحاجات المستجدّة.
   أمّا مؤسّسات التعليم العالي فإنّها مطالبة بالقيام بدورها الحضاري الريادي في المساهمة في حلّ المشكلات التي يعيشها المجتمع وتحقيق التوازن فيه.
   فعندما نتحدث عن تطوير النظام التربوي وعن التحديات ورهانات المستقبل ، فإنه من بين هذه التحديات إعالة العائلات التونسية لأبنائها من الكفاءات وأصحاب الشهادات ومساعدتهم على تحمّل قساوة البطالة ماديا ومعنويا. فالشبان المعطلين عن العمل ليسوا من الكسالى أو ممّن يريدون العيش عالة على المجتمع أو اختاروا البطالة إراديا، بل رأيناهم، عكس ذلك، يقبلون بموطن شغل مؤقتة متى توفّرت ودون اشتراط التأمين على المرض .
كفاءات معطلة واستراتيجية تشغيلية منحرفة:
استمرّ المسئولون عن السياسة التعليمية في تونس تجاهل الكفاءات العلمية بجميع أنواعها والمتخرجة من الكليات والمعاهد ومراكز التكوين وهو ما يتجلّى في مظاهر منها على سبيل الذكر لا الحصر:
-بطء نسق التشغيل بالنسبة إلى حاملي الشهادات في الاختصاصات العلمية ,
-إقصاء عديد الاختصاصات الأدبية والإنسانية من دائرة إنتاج الخدمات.
-تقطع في عملية تشخيص معطيات سوق الشغل.
-إخفاء هوية المؤسسات التي تعرض شغلا.
-إعلان لمناظرات وعروض شغل وهمية (مدير مركز جهوي للتربية والتكوين المستمر مثلا).
تعمّد المؤسسات انتداب أعوانها بطرقها الخاصة رغم وجود البعض من إعلاناتها في مكاتب التشغيل ضمن سياسة سحب البساط من تحت أرجل الذين أفنوا حياتهم في التعليم والدراسة و«التي ليست بالقصيرة (مرحلة ابتدائية، مرحلة ثانوية، مرحلة جامعية)، وهي تمثّل 17 سنة دون احتساب سنوات الرسوب. 17 سنة من الإنفاق على الدراسة. وكلما وقع تجاوز مرحلة إلا وكان الإنفاق أكثر ليصل أقصاه ).ونذكر كمثال على ذلك المناظرات التي أنجزت مرارا لانتداب1000 من المعلّمين الجدد ولا ينجح إلاّ 600 ويستكمل العدد الباقي بالمحسوبية والرشوة . لذلك ازداد إحساس المعطلين بعدم ثقتهم في وعود الجهات الرسمية وهو ما يجب أن يراهن النظام التربوي البديل على تداركه بإرساء جسور الثقة .
5- كيف يمكن للمؤسّسات التربوية أن تساهم في حلّ مشكلات منظومة التشغيل؟
   لم تتجاوز رغبة المؤسسات التعليمية في المساهمة في حلّ منظومة التشغيل الخطاب، فقد سمعنا عنها الكثير ولم نر منها شيئا إلى حدّ اليوم. واتخذت المعالجة في بعض المحاولات أبعادا تلفيقية بدعوى الاستفادة من التجارب الغربية . فلم تحدّد وفق معايير علمية بل على خلفيات سياسية جعلت تنمية العمل التربوي  وتنمية منظومة التشغيل مرهونتين بقرار الأنساب والأحباب. والعيب ليس في القائمين على تسيير المؤسّسات بقدر ما هو متأتّ من السّلطة السياسية المستبدة بالقرار.
   لذلك نرى ضرورة أن تكون المؤسّسات التعليمية، وخاصة مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي، ضمن مدار القرار التنموي بشكل فعلي.فلا تتقبل القرارات دون أن تشارك في صياغتها، ويجب أن لا تتكيّف مضطرة مع مقتضيات قرارات تنموية صيغت بمعزل عنها وتتناقض في بعضها مع إمكانات المؤسسة وحاجيات المجتمع( *). ويطلب منها:
- ملاءمة التدريس مع حاجات التشغيل: أي أن يكون التعليم متناغما مع حاجات المجتمع بصفة عامة ويستجيب بشكل كاف  مع حاجات مختلف المؤسّسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية.
- تطوير البحث العلمي لاستحداث مواطن شغل جديدة.
- تتبع مسار التشغيل في البلاد وخلق بدائل حقيقية للتشغيل غير القار بمواطن شغل قارة تحفظ كرامة المواطن التونسي .
- أن تعمل في سبيل ضمان استقلاليتها المالية بالتمويل الذاتي متعدّد المصادر كي تتمكّن من القيام بأدوارها الإبداعية ووظائفها  في البحث العلمي وتسويق نتائجه انطلاقا من قرارات مستقلّة.
------------------
هامش:( *)- يجب الإشارة إلى أنّ غياب الديمقراطية في تونس كان وضعا يصعب معه على المؤسّسات التعليمية معالجة أيّ مسألة  دون الرجوع إلى السلطة، ولا تلقى في أغلب الأحيان المساندة الفعلية، وهو ما يضطر تلك المؤسّسات إلى الالتجاء إلى الإيهام  والتضليل الإعلامي.
 رجوع إلى النص:
6- هيكلة الإدارة التربوية ومهامها وتقاسم المسؤوليات فيها على المستوى الوطني والجهوي أو الإقليمي والمستوى المحلّي والمؤسّساتي:
تؤكّد نتائج الدراسات المنجزة محليا ودوليا ( اليونسكو) على مبدأ لامركزية الإدارة فتخوّل العديد من الصلاحيات إلى الإدارات الجهوية والمحلّية عملا بالمثل القائل : «أهل مكّة أدرى بشعابها» (ونلاحظ ،في هذا الخصوص، غياب إدارة محلية للمؤسسات التعليمية الابتدائية منذ صدور قانون 2001 لمتفقدي المدارس الابتدائية الذي يعفي المتفقد من الصلاحيات الإدارية) ومبدأ الشراكة فيقع تشريك منظمات وجمعيات  المجتمع المدني  وأولياء التلاميذ والتلاميذ أنفسهم في الحوار وفي حلّ المسائل الإدارية.
   ويقوم تصور تقاسم المسؤوليات على ضرورة تحرّي الكفاءة المهنية في التسيير والكفاءة العلمية والعدالة بين الإطارات العاملة بوزارة التربية  عند إسناد الوظائف الإدارية، فلا يسيطر موظّفو التعليم الثانوي مثلا على كلّ إدارات وزارة التربية  والمندوبيات الجهوية للتربية والإدارات المتفرعة عنها (كما هو عليه الحال خلال سنة 2010).
    وأرى أنّه لابدّ من الاهتمام بالإدارة المدرسية وذلك بالاختيار السّليم لمديري المدارس ، ممّا يستوجب إعادة النظر في كيفية تسمية أولئك المديرين وتكوينهم في أبجديات علوم الإدارة وخاصة منها التراتيب القانونية وقواعد التصرّف المالي وأسس علم النفس الاجتماعي الإداري مع ختم حلقات التكوين بشهائد يقع اعتبارها عند التناظر إلى جانب الأقدمية والخبرة الصناعية.
   كما أقترح أن يسمّى مع كلّ مدير مساعد يعمل 30ساعة أسبوعيا إلى جانبه ( فمن التناقض اليوم أنّ المدير وهو معلم تطبيق يعمل 39 ساعة من أجل منحة لا تتجاوز 45دينارا بينما مساعده وهو من نفس الصنف يعمل20ساعة فقط، والسّرّ في ذلك أنّ المشرّع في عهد بن علي نسي أنّ اتفاقية1981 بين الوزارة والنقابة تتحدّث عن 20ساعة تنفيذية بالقسم و14 ساعة لإعداد الدروس وإصلاح الكرّاسات افتراضية بالبيت، أي أنّ جملة ساعات عمل معلم التطبيق الحقيقية حسب ذلك الاتفاق 34 ساعة).
   ولما لا تقع تسمية قيم لحراسة التلاميذ أثناء الرّاحة بالمدارس الابتدائية إلى جانب حارس ليلي لحماية التجهيزات والوثائق.
    ولا يمكن أن نتوقف عن الحديث في هذا الموضوع دون الإشارة إلى غياب نصوص التراتيب الإدارية المدرسية البديلة عن نصوص 1964. فقد صدرت نصوص تتعلّق بالنظام التربوي وبالحياة المدرسية  لا تصل إلى دقّة وإجرائية نصوص قانون 1964 من حيث الصياغة رغم أنّ الأولى دعت إلى توقف العمل بنصوص التراتيب السّابقة.
 فندعو إلى تدارك هذا النقص  بصياغة نصوص جديدة تتصف بالدقة والإجرائية والشمول تسهر لجان متعددة الاختصاصات في كتابتها.

7- ما هي الأدوار الجديدة لهيئة التفقّد البيداغوجي؟
عاش متفقدو المدارس الابتدائية وهيئة التفقد عامة منذ أكتوبر 2001 تاريخ صدور ما يسمّى بالقانون الأساسي لإطار التفقّد البيداغوجي مغالطة صريحة. فوزارة العهد السابق وإداراتها المركزية تستنكر في بعض مؤلفاتها الرسمية المنشورة «المركزية المفرطة في تسيير النظام التربوي ... فكلّ شيء يصدر عن "المركز" نحو المستويات الجهوية و المحلّية التي لا تملك سوى أن تطبّق آليا ما يصدر إليها من قرارات . فانحسرت المبادرة خوفا من الوقوع في الأخطاء... » (وفق ما جاء بوثيقة الإصلاح التربوي ص21)، بينما نجد المديرين بالإدارة المركزية  يعملون بعكس ما يقولون ويحرصون على أن تتمّ كلّ حركة  وكلّ تفكير وكلّ تصريح بعد إذنهم. فلا استقلالية ولا حرية في المبادرة (وهي من شروط الاحتراف ) ،الأمر الذي يحطّ من قدر المشرف البيداغوجي إلى منزلة المنفّذ لبرنامج يفرض عليه من المركز ، وهو ما يجعل هويته المهنية متأزمة:
في التأطير:  يؤطر المتفقد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق