الجمعة، 10 أغسطس 2012

التكوين الأساسي للمعلّمين وآفاق التشغيل

إعداد د.حسن الجمني
سوسة الخميس 12 جويلية 2012
Ι - المدرس قطب أساسي في الموقف التعليمي:
    يمثل المعلّم في العملية التربوية قطبا هاما وعاملا رئيسا مقرّرا لنجاحها أو فشلها، فهو إلى جانب التلاميذ والمنهج والبيئة التعليمية عناصر متكاملة يؤثر كلّ منها سلبا أو إيجابا بنصيب في الموقف التعليمي وفي  إنتاج التربية المدرسية. وتعود أهمية المعلّم  في العملية التعليمية إلى تعدّد المهام التي يقوم بها ،فالمعلّم يخطط ويتابع  ويساعد ويقيّم.

    فالمعلّم يحتل مكانة هامّة في العملية التربوية وفق كلّ النماذج المتوفرة في العالم المعاصر. بل يؤكّد جلّ الخبراء في التربية على أنّ نجاح العملية التعليمية لا يتمّ إلاّ بمساعدة معلّم يتمتّع بكفايات معرفية بالمادة الدراسية وكفايات بيداغوجية ولديه ميل للتعليم. وشهدت أدوار المعلّم في مختلف بلاد العالم تطوّرات خلال الحقبات التاريخية منذ عصر الإغريق حتّى عصر الذرّة، إلاّ أنّها تعطلت بتونس خلال العشرين سنة الماضية . وذلك للأسباب التّالية خاصّة:

  أ-  خلل في نظام الانتداب:فكثيرا ما يقع انتداب معلّمين ويقع تكليفهم بالتدريس في مدارس ريفية نائية دون أيّ تكوين بيداغوجي ، كمن يرمي بدويا في البحر دون أن يعلّمه السباحة. ويترتب غالبا عن ذلك أن يكتفي المعلم بدور التلقين وحشو الأدمغة بالمعلومات أو دور شرح النصوص ، وهي أدوار تقليدية عفا عنها الزمن.

  ب- خلل في نظام التكوين الأساسي للمعلّمين (مدّة التكوين/ أهدافه/برنامجه/ انعدام توافق بين بعض الأهداف والممارسات التطبيقية).

  ج- استهتار بالتكوين المستمر أثناء الخدمة : يبدأ من فرض وزارة التربية لبرنامج التكوين على المتفقّد ثمّ  عدم قيام مؤسّسات التكوين المستمر بمهامها على الوجه المطلوب، و عدم تثمين مشاركة الموظف في الحلقات التكوينية والملتقيات والندوات ، الأشياء التي تحدّ من إقبال المعلّمين على التكوين المستمر أثناء الخدمة و يحضره بعضهم مجاملة في المتفقّد البيداغوجي المكوّن.

  د- عدم الاهتمام بالشهائد العلمية والاختصاص: فالمعلم المتحصل على الماجستير يعمل نفس عدد الساعات ويقبض نفس مرتّب المعلّم المتحصّل على شهادة ختم الدروس الثانوية، الشيء الذي يجعل الأوّل يشعر بالضيم ويحدّ من إقباله على العمل والإبداع فيه.

ΙΙ - التكوين المتين للمدرّسين ضروري لتجويد مردود المدرسة:
    لكن نجاح المدرس في أداء مهامه رهين تكوينه المتين في المادة التي يدرّسها وحسن اختياره للمقاربات البيداغوجية ووعيه بالأدوار التي تطالبه التربية أن يلمّ بها ويتمثّلها. لقد أصبح المعلّم ، بفعل الفكر الحداثي، مطالبا بمساعدة التلاميذ على التدرّب على الحياة اجتماعيا وعقليا وجسديا وروحيا، أي على المواطنة الفاعلة
   فلا يختلف اثنان في كون التعليم يتطلّب من المدرّس التحكّم في مجموعة من المعارف. فمن صالح كلّ مدرّس أن يعرف أكثر من تلاميذه المادّة التي سيدرسها ، ويبقى السؤال المطروح هو: إلى أيّ حدّ يجب أن يصل الفارق؟ وفي أيّ شيء يكمن التحكّم؟(المعرفة الأكاديمية أم النقل الديداكتيكي؟). لذلك يؤكّد العديد من خبراء التربية على وجوب توفّر مجموعة من الكفايات المهنية لدى المدرّس تضمّ التحكّم في المعارف الواجب تدريسها إلى جانب معارف مستوجبة للتدريس وغيرها .
    فتكوين جيل جديد من المدرسين تتطابق كفاءاتهم مع أجود المقاييس الدولية وحسب مرجعية الكفايات المهنية التي يصوغها خبراء التربية، والحصول على أطر تربوية وإدارية ذات جودة عالية ، يقتضي دراسة هوية المدرسة وملامح المدرس والمقاربات الممكنة لتكوينه ومحتوى ذلك التكوين والقائمين به وكلّ ما يؤثر في تحقيق  جودة التكوين بالاستفادة من التجارب الوطنية السابقة في المجال وتجارب بعض الدول الأجنبية والأدبيات المنشورة في الموضوع.

الكفايات المهنية للمدرسين:
-ماذا نقصد بالكفاية المهنية لدى المدرس؟
- كيف يمكن للمدرّس أن يكتسب تلك الكفايات؟
- ما هي المنظومات الممكنة لتكوين المدرسين على تلك الكفايات؟

الكفايات المهنية مجموعة متنوّعة من المعارف المهنية والمهارات والاتجاهات التي يعبؤها المدرّس عند ممارسته المهنة. فهي ذات طابع معرفي وعملي ووجداني واجتماعي في وقت واحد.
ويمكن أن نذكر منها:
- الاختيار العقلاني للمقاربات البيداغوجية والاستراتيجيات الملائمة للمحتويات والأهداف المدرسية والمقتضيات الأخلاقية في وقت مناسب.
- بناء مشاريع تعليمية-تعلّمية.
- تحليل المواقف التعليمية- التعلّمية المعقّدة بالاعتماد على شبكات تحليل متعددة.
- اختيار الوسائل والتقنيات والأدوات وفق حاجات الجهاز البيداغوجي.
- التحليل النقدي للممارسات والنتائج بما فيه من تشخيص صعوبات التعلّم وصياغة وضعيات العلاج.
- التكوّن المستمر طيلة الحياة.
   ويمكن أن نضيف إليها:
         * المعارف التي يقع تدريسها
         * شبكات تحليل المواقف.
         * المعارف المرتبطة بإجراءات التعليم.
         * الاتجاهات الضرورية للمهنة كالقناعة بقابلية التربية واحترام الآخر ومعرفة التصوّرات الخاصة والتحكّم في الانفعالات والانفتاح على التعاون.
ذلك أنّ مهنة التدريس  تشترط التكيّف مع سياقات اجتماعية سياسية ومع أنساق تربوية متغيّرة ومتنوّعة. وتمارس في إطار علاقات ذاتية واجتماعية  متحرّكة وتقبل هامشا مهمّا من التأويل يجعل الممارسة مرتبطة بقناعات واتجاهات وبالبيئة المحيطة.

أيّ منظومة تكوين نبغي؟ وكيف تبنى الكفايات المهنية للمدرّس؟
   إن من يطلع على الأدبيات المنشورة في موضوع نظم تكوين المدرسين يجد أنّه كلّها تنطلق من« رسو تخصصي، من تقليد قومي وموقع ومسار شخصيّين والتزامات خاصة»(فيليب بيرنو،مارقريت آلتي،إيفلين شارليي،ليوبولد باكي،تكوين معلمين مهنيين1998).
    وأرى الحلّ في العمل على أن يصبح المعلّم  التونسي موظفا حرّا كريما يتمتّع بحقوق متساوية مع أمثاله في بقية العالم الحر المتقدّم. فيقوم بأدواره انطلاقا من تكوين أساسي متين وبمناهج حديثة تتفق مع خصائص المتعلّمين وما يتصفون به من استعدادات وذكاء وقدرات وميول واتجاهات وتراعي الفروق الفردية وتساعدهم على تحقيق الأهداف التعلمية التعليمية في وقت ملائم وبكلفة معقولة. وليتحقق ذلك أرى من الواجب:
  - أن لا ينطلق المعلّم في التدريس إلاّ بعد تلقّي فترة تكوين أساسي في البيداغوجيا وعلم النفس وأساليب التنشيط  وغيرها من المعارف التي يستوجبها التدريس لمدّة لا تقلّ عن سنة.
  -  أن يتمّ تأسيس مؤسّسات جامعية مختصّة في علوم التربية لتخريج المكوّنين في هذا المجال وتطوير البحث في ميادين التربية والتعليم.
 - أن تضع الحكومة برنامجا فعّالا للتكوين الأساسي للمعلّمين يشترك في صياغته خبراء تونسيون لديهم معارف أكاديمية وتطبيقية عالية مشهود بها.
- أن تترك للمتفقّد حرّية وضع برنامج التكوين المستمر للمعلمين وفق حاجاتهم  وتوفير الوسائل اللوجستية والإعانة البشرية التي يحتاجها تنفيذ البرنامج.
- أن تفعّل مراكز التكوين المستمر وتثمّن المشاركات في الدورات التكوينية بشهائد يقع اعتبارها في التدرج المهني.
- أن يقع اعتبار الشهائد العلمية عند الانتداب فيسمّى المتحصّل على الأستاذية أستاذا للمرحلة الابتدائية منذ أول يوم  له في المهنة مع تمتيعه بنفس الامتيازات المادية لأستاذ التعليم الثانوي .
  كما يقتضي تحسين ظروف عمل المعلّم مراجعة فلسفة المؤسّسة المدرسية وهيكلتها وتنظيمها وتمويلها وإدارتها إلى جانب ما سبق ذكره من مراجعة محتوى البرامج وأساليب التعليم وأوضاع المعلمين(مرتبات وحوافز وسكن)، وأوضاع التلاميذ  (صحة وتنقل ومقاعد وغيرها) بالاعتماد على دراسة واقع تحوّلات الشعب التونسي الجارية بعد الثورة وما سينتج عنها في المستقبل. فلا بدّ من مراجعة مراحل التعليم بالمؤسّسة المدرسية وهيكلته الإدارية والزمن المدرسي وأدوار المشرفين البيداغوجيين  ومنظومة التقييم والامتحانات والشهائد.

ΙΙΙ - حاجة الشباب التونسي المعطّل عن الشغل والانتدابات في وزارة التربية:

ΙΙΙ -1- كفاءات معطلة واستراتيجية تشغيلية منحرفة:
استمرّ المسئولون عن السياسة التعليمية في تونس تجاهل الكفاءات العلمية بجميع أنواعها والمتخرجة من الكليات والمعاهد ومراكز التكوين وهو ما يتجلّى في مظاهر منها على سبيل الذكر لا الحصر:
-بطء نسق التشغيل بالنسبة إلى حاملي الشهادات في الاختصاصات العلمية ,
-إقصاء عديد الاختصاصات الأدبية والإنسانية من دائرة إنتاج الخدمات.
-تقطع في عملية تشخيص معطيات سوق الشغل.
-إخفاء هوية المؤسسات التي تعرض شغلا.
-إعلان لمناظرات وعروض شغل وهمية (مدير مركز جهوي للتربية والتكوين المستمر مثلا).
تعمّد المؤسسات انتداب أعوانها بطرقها الخاصة رغم وجود البعض من إعلاناتها في مكاتب التشغيل ضمن سياسة سحب البساط من تحت أرجل الذين أفنوا حياتهم في التعليم والدراسة و«التي ليست بالقصيرة (مرحلة ابتدائية، مرحلة ثانوية، مرحلة جامعية)، وهي تمثّل 17 سنة دون احتساب سنوات الرسوب. 17 سنة من الإنفاق على الدراسة. وكلما وقع تجاوز مرحلة إلا وكان الإنفاق أكثر ليصل أقصاه ).ونذكر كمثال على ذلك المناظرات التي أنجزت مرارا لانتداب1000 من المعلّمين الجدد ولا ينجح إلاّ 600 ويستكمل العدد الباقي بالمحسوبية والرشوة . لذلك ازداد إحساس المعطلين بعدم ثقتهم في وعود الجهات الرسمية وهو ما يجب أن يراهن النظام التربوي البديل على تداركه بإرساء جسور الثقة .

ΙΙΙ -2- كيف يمكن للمؤسّسات التربوية أن تساهم في حلّ مشكلات منظومة التشغيل؟
   لم تتجاوز رغبة المؤسسات التعليمية في المساهمة في حلّ منظومة التشغيل الخطاب، فقد سمعنا عنها الكثير ولم نر منها شيئا إلى حدّ اليوم. واتخذت المعالجة في بعض المحاولات أبعادا تلفيقية بدعوى الاستفادة من التجارب الغربية . فلم تحدّد وفق معايير علمية بل على خلفيات سياسية جعلت تنمية العمل التربوي  وتنمية منظومة التشغيلمرهونتين بقرار الأنساب والأحباب. والعيب ليس في القائمين على تسيير المؤسّسات بقدر ما هو متأتّ من السّلطة السياسية المستبدة بالقرار.
   لذلك نرى ضرورة أن تكون المؤسّسات التعليمية، وخاصة مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي، ضمن مدار القرار التنموي بشكل فعلي.فلا تتقبل القرارات دون أن تشارك في صياغتها، ويجب أن لا تتكيّف مضطرة مع مقتضيات قرارات تنموية صيغت بمعزل عنها وتتناقض في بعضها مع إمكانات المؤسسة وحاجيات المجتمع(*). ويطلب منها:
- ملاءمة التدريس مع حاجات التشغيل: أي أن يكون التعليم متناغما مع حاجات المجتمع بصفة عامة ويستجيب بشكل كاف  مع حاجات مختلف المؤسّسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية.
- تطوير البحث العلمي لاستحداث مواطن شغل جديدة.
- تتبع مسار التشغيل في البلاد وخلق بدائل حقيقية للتشغيل غير القار بمواطن شغل قارة تحفظ كرامة المواطن التونسي .
- أن تعمل في سبيل ضمان استقلاليتها المالية بالتمويل الذاتي متعدّد المصادر كي تتمكّن من القيام بأدوارها الإبداعية ووظائفها  في البحث العلمي وتسويق نتائجه انطلاقا من قرارات مستقلّة.
ΙΙΙ -3- من أين ستموّل عمليات التطوير؟وكيف يمكن أن تدار الجودة الشاملة ؟
    يشهد التعليم بتونس بمختلف مستوياته زيادات حادة في تكاليفه الأساسية بسبب ارتفاع أسعار السلع والأجهزة ولوازم المخابر ورواتب الموظفين والنقل. وزاد الإقبال الشعبي على التعليم من شتّى الأعمار فزاد في نفقاته. وهو أمر، وإن كان لا ينكر عاقل أهمّيته، فإنّ حلّه لا يكون دون أيّ شكّ بالتخفيض في نسبة الميزانية السنوية للتعليم كما حدث في عهد بن علي(قرابة 7% بعد ما كانت في أوائل التسعينات14% وفي1985 قاربت24%).فالنمو في أعداد التلاميذ والطلبة  لم يصحبه نموّ مماثل في الإنفاق اللازم لتهيئة متطلباته. وهذا أمر خطير يستوجب التأمّل فيه والتفكير في تطويره بالترفيع في التضحية الوطنية ضمن التمويل التقليدي والتفكير في مصادر أخرى تدعم تمويل التعليم
------------------
( *)- يجب الإشارة إلى أنّ غياب الديمقراطية في تونس كان وضعا يصعب معه على المؤسّسات التعليمية معالجة أيّ مسألة  دون الرجوع إلى السلطة، ولا تلقى في أغلب الأحيان المساندة الفعلية، وهو ما يضطر تلك المؤسّسات إلى الالتجاء إلى الإيهام  والتضليل الإعلامي.
ضمانا للجودة الشاملة فالمعلّم الجيّد لا يستطيع دون تجهيزات لائقة ومعينات مناسبة أن يرتقي بمنظوره إلى المراتب العليا دوليا.
 مصادر التمويل:
أ- مصادر تمويل تقليدية:
تضم مصادر التمويل التقليدية ومنها الميزانية المخصصة من الميزانية العامة والضرائب والرسوم الخاصة بالتعليم والقروض الداخلية والخارجية لإقامة المشاريع التربوية والمصادر الخاصة التي يدفعها الأولياء كرسوم الامتحانات والمصادر المحلية من البلديات والجمعيات المحلية و مساهمة المؤسسات الإنتاجية والمنح والمساعدات الخارجية . و تغطي تلك المصادر قرابة 90 % من الإنفاق المنجز، وهو دون المستوى المطلوب. ولا تغطي الموارد المتأتية من الأنشطة التي تقدمها الجامعة للمجتمع أو ربح خدماتها وأموالها المنقولة وغير المنقولة (من أرباح المطاعم و المقاصف و مساكن الطلبة و الأساتذة وفوائد الديون والتأمين والمنح والتبرعات والإعفاءات الضريبية) إلاّ القليل.
ب- مصادر تمويل متروكة لأسباب غير وجيهة:
    نجد المؤسّسات التربوية في بعض الدول الغنية تفتح أبوابها خلال العطل لإنجاز مشاريع تمويلية: فالسّاحة تصبح تكترى للأفراح والقاعات للمعارض التجارية (في شراكة تامّة ،وليس بترخيص شبه مجاني من المندوبية يمنح لاتحاد الصناعة والتجارة). وأجهزة العرض تصبح مصادر تمويل بعروض سينمائية للكهول والأطفال أو مقابلات رياضية مشوقة أو سهرات موسيقية أو مسرحية. كلّ ذلك طبعا دون المساس بالقيم الاجتماعية العامة ، وهو شرط يجب أن يتوفّر في كلّ الأماكن وليس في المدرسة وحدها.
 فبدلا من بيع المؤسسات إلى الخواص يحسن أن نشاركهم في الموارد. فالمؤسسات التعليمية عندما  تحدّد احتياجاتها والمبالغ اللازمة لتوفيرها فإنها نادرا ما تحصل على المبالغ التي تطلبها فتقبل بالقليل وهذا يؤثر على جودة مُخرجاتها. وإذا ما زادت مواردها الذاتية عن طريق مشاريعها الخاصة أصبح بإمكانها تطوير نمط البنايات والتجهيزات والمعدّات(أذكر هنا مثال بعض المؤسّسات التي وفّرت تجهيزات التدفئة المركزية بتمويل ذاتي في بداية التسعينات/ ومثال المدارس التي بادرت إلى التجهّز بحواسيب قبل أن تقرّر الوزارة ذلك/ ويجد المطلع على تجربة شنني مثالا ناجحا في التمويل الذاتي، وهو ما نسجنا على منواله ببعض مدارس قربة: تازركة أوّلا بعقد شراكة مع البلدية وجمعية بلجيكية، ثمّ بني عيشون باستثمار المساحات الفلاحية بها استثمارا جيّدا أفضى إلى عائدات سمحت ببناء 3فضاءات جديدة وتوفير تجهيزات وتحسين نتائج التلاميذ، ونحاول الآن تكرار التجربة بعمق مع مدرسة شارع بورقيبة بقربة).
   كانت تلك أمثلة من مصادر التمويل المتروكة . وهو حال له أسبابه، ومنها ما يعود إلى تعقّد التشريعات والتعقيدات الإدارية التي تعطل إقدام المدير والمعلّم والأستاذ على المبادرة.فوجود عوامل تشريعية وسياسية واجتماعية وتقنية تعوق الحصول على تمويل إضافي أو تقوم باستخدامه تعطل توفير تلك الموارد وبالتالي تعيق توفير الحاجات بالكم والكيف اللازمين للمتعلّمين والمعلّمين. فالقوانين تعطي للمؤسّسة حقّ صرف الأموال وليس استدرارها. هذا إلى جانب كثرة مهام المدير(في الابتدائي خاصة) وانفراده بالعمل الإداري في المدرسة. فالمبادرة تقتضي إحساسا بالأمن ودراية كافية بالشؤون المالية وتوفر مناخ ديمقراطي تعاقدي شفاف يبدي فيه الولي ارتياحا لتصرفات الإطار التربوي بما يراه بوضوح من نزاهة ودقّة في التعامل معه، ويكافئ المعلّم والمدير ماليا ، في إطار ضوابط، على ما يقدمه من جهد، ويجد العون  التقني المختص إلى جانبه كي لا ينزلق في خطأ مالي، لا سمح اللّه.كلّ ذلك ننتظره في إطار تشريعات ملائمة جديدة نرجو أن تتوفر في النظام التربوي البديل.
   مع الملاحظة بأنّ هذا المقترح الأخير ، لو نفّذ، سيساهم في خلق مواطن شغل جديدة لشباب تونس من خريجي الاقتصاد والتصرّف والمالية خاصة ومن الاختصاصات الأخرى أيضا في إطار التنسيق بين وزارتي التربية والتعليم العالي والبحث العلمي من جهة والمموّلين الخواص من جهة أخرى.
  ولا يمكن أن نغلق ملف التمويل دون الحديث عن تسويق نتائج البحث العلمي،فرغم أنّه لا يجب أن يكون الهدف الأساسي الذي تسعى إليه مؤسّسات البحث العلمي ،فإنّه وسيلة قد تستفيد المؤسّسة التعليمية منه. وترتبط عملية تسويق نتائج البحث العلمي بواقع حال البحث العلمي من ناحية وبأساليب تمويله من ناحية أخرى. لذلك وجب التذكير بضرورة توفّر علاقة شراكة تبادلية بين مؤسّسات البحث ومؤسّسات الإنتاج المستفيدة باعتماد التعاقد.
    ونلخّص القول حول رهانات تجويد الفعل التربوي بتونس بالتأكيد على:
  - تحرير أرواح وعقول أجيال تونس كي تكون فاعلة ومبدعة.
  - مصالحتها مع هويتها الوطنية.
  - توفير فرص التشغيل لهم ومساعدتهم على اكتساب القدرات التي تسمح لهم بالعيش الكريم.
  - توفير مناخ تربوي ديمقراطي تعاقدي يؤسّس لذلك النمط من المجتمع.
                      واللّه المستعان على الخير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق