الجمعة، 10 أغسطس 2012

مراجعة المنظومة التربوية التونسية وثيقة من إعداد:د.حسن بن علي الجمني 31ماي2011

  بناء على توصية أعضاء هيئة التفقد البيداغوجي للمدارس الابتدائية بولاية نابل المجتمعين في مجلس تفقّد انعقد بتاريخ 19ماي 2011 ، ونظرا لما توليه المجموعة الوطنية،  وإطارات الإشراف البيداغوجي  بصفة خاصة، من أهمّية لمراجعة المنظومة التربوية التونسية في إنجاح مسار ثورة 14 جانفي ونماء بلادنا وتأمين مستقبلها بتنشئة أجيالها على قيم الحرية والكرامة والعدالة والتضامن وغيرها من قيم الثورة النبيلة. قمت بإعداد هذه الوثيقة مستندا ، بالإضافة إلى ما ذكرته، على ما يلاحظ بالمنظومة التربوية والتعليمية الحالية في بلادنا من وضع يبعث على الانشغال في كلّ مستوياته(الابتدائي والثانوي والعالي) وفي جلّ المؤسسات التعليمية العمومية ،فقد شهدت التقويمات العالمية المقنّنة بتراجع مستوى الجودة والمر دودية وارتفاع نسب الرسوب  والغياب والانقطاع في سن الدراسة. كما لا يخفى على أيّ ملاحظ خبير انعدام التوافق بين متطلبات سوق الشغل ومخرجات التعليم والفشل في تحقيق المعادلة بين العرض والطلب في هذا المجال وعدم التوازن بين التكوين المهني والتكوين العام مما ساهم في تفشي البطالة بين الشباب المتعلم والمتخرّج بشهائد علمية كثيرا ما تكون فاقدة للقيمة والجدوى المهنية(45% من المتخرجين إلى حد2010 معطلين عن العمل). واستندت إلى ما يسمع ويقرأ عن صيحات تعبير عمّا باتت تعيشه عديد المؤسسات التعليمية والتكوينية من ظروف عمل متردية سواء في مستوى التجهيزات أو العلاقات بين أطراف العملية التربوية من متعلمين وإطار تربوي وإطار إشراف بيداغوجي  وإداري ومحيط مدرسي  وهو ما يشكل أزمة المنظومة التربوية في بلادنا .
    وانطلاقا من عدّة دراسات وتقارير وطنية وعالمية منشورة، أقترح أن تركّز مراجعة المنظومة على الجوانب التّالية:
1- المبادئ الأساسية العامّة التي يقوم عليها النظام التربوي.
2- البرامج الرسمية للتعليم( الأهداف والمحتوي والمقاربات البيداغوجية).
3- أدوار المعلّم وملامح خريجي مؤسّسات التكوين الأساسي للمعلّمين.
4- مراحل التعليم وأهمّية مرحلة ما قبل الدّراسة في تحقيق تكافؤ الفرص التعليمية.
5- الإدارة التربوية(هيكلتها ومهامها وتقاسم المسؤوليات فيها على المستوى الوطني والجهوي أو الإقليمي والمستوى المحلّي والمؤسّساتي).
6- أدوار هيئة التفقّد البيداغوجي في تسيير و تطوير مردود المنظومة التربوية وأسس انتداب أعضائها وتكوينهم.
7- البناء والتجهيز وتكلفة المنظومة التربوية وتمويلها.
8- الزمن المدرسي
9- العلاقات بين مؤسّسات التربية والتكوين ومنظومة التشغيل.
10- نظام التقييم  والامتحانات والشهائد.

   وقبل التفصيل في تلك البنود ، وجب التذكير بعدّة مكاسب حصلت بتضحيات الشعب التونسي منذ استقلاله عن فرنسا يجب المحافظة عليها .

Ι -  مكاسب يجب المحافظة عليها:
    لقد تعلّقت همّة المواطن التونسي منذ العصور القديمة بالحرية ، ولضمان عزّته وحريته تعلّق دوما بناصية العلوم والتفاعل مع ثقافة العصر. لذلك خصصت البلاد التونسية منذ بداية الاستقلال جزءا هاما من ميزانيتها لتمويل الجهد التربوي فبنيت المدارس والمعاهد والكليات، وتوالت محاولات الإصلاح من منطلقات فلسفية متعدّدة تتفق على اعتبار الإنسان المنطلق لكلّ مشروع تنموي.
    وممّا تفخر به تونس مجانية التعليم ، وإن انحرف عنه نظام بن علي تدريجيا. ووقع دعم هذا الخيار بخيار إجبارية التعليم بين سن السادسة والسادسة عشرة. الشيء الذي رفّع من نسبة التمدرس خاصة بالنسبة إلى الفتاة الرّيفية.
    لكنّ النوايا كانت تبدوا طيبة في كثير من النصوص غير أنّ الواقع التربوي بقي يشكو في عديد من جوانبه من نقائص وتناقضات خطيرة زادت من نسبة المنقطعين عن التعليم والمعطلين عن العمل.

Ι Ι-  جوانب عديدة وأساسية تطلب إعادة النظر فيها:
1-  المبادئ الأساسية العامّة التي يقوم عليها النظام التربوي:
ممّا يؤاخذ عليه النظام التربوي  لسنة2002:
         أ- عدم تكامله مع النظام الاجتماعي والاقتصادي في أهدافه واتجاهاته.  وهو ما قد يفسّر تفشي البطالة بين الشباب المتعلم اليوم والمتخرج بشهائد علمية كثيرا ما تكون فاقدة للقيمة والجدوى المهنية.
         ب - قلّة  فاعليته لأنّه كان يبني مقوّماته ومعالمه على ظروف حينية ولا يأخذ في اعتباره نتائج الاستشراف التربوي للمستقبل.(كانت المنظومة التعليمية في 2002 ،على سبيل المثال، تشتكي من قلّة إطارات تدريس اللغات، وبدلا عن إجراء إحصاء للطلبة بالجامعات في الشعب اللغوية  ودراسة ما ستوفره  بعد سنوات قليلة من خرّيجين زاد توجيه تلاميذ الثانوي إلى الشعب اللغوية وتمّت تسمية خرّيجي التربية المدنية والحقوق وغيرها للتدريس ممّا سبّب نقصا في مستوى الخرّيجين نوعيا وارتفاع عددهم.
         ج- ضعف الترابط بين مراحل التعليم الأربع.

لذلك نقترح أن يعاد النظر في النظام التربوي السّابق وأن تقوم مبادئ النظام التربوي لتونس ما بعد الثورة على أسس تجعل :
     *  التربية مكوّنا أساسيا من عملية التنمية
     *  تربية ملائمة للأولويات الاقتصادية والأهداف المستقبلية
     *   تربية آخذة في اعتبارها التوزيع العادل للموارد المتاحة والمتطلبات التنفيذية.
     * التربية واجب وحق للجميع.
     * تربية تواكب العصر وما يقع من تحوّلات تقنية واقتصادية وطنية ودولية ونتائج البحث العلمي.
     * تربية تنطلق من مدخلات جيدة وتنتهي إلى مخرجات جيّدة.
     * تربية تعدّ الفرد والجماعات لحياة المواطنة والمشاركة الديمقراطية ، وتعزّز  الانتماء العربي الإسلامي لدى الناشئة.
     * تربية تدعم قيم الحرية والعدالة والتسامح والكرامة للفرد والمجتمع التونسي وتنمّي شخصية المتعلّم من جوانبها المتعدّدة..

2- البرامج الرسمية للتعليم( الأهداف والمحتوي والمقاربات البيداغوجية):
    يؤخذ على البرامج الرسمية للمرحلة الابتدائية للتعليم الأساسي لسنة2004 :
       أ -  وجود تناقض بين كثير من الأهداف  والوسائل المتوفرة( مثل هدف استعمال تكنولوجيات المعلومات والاتصال في التعليم  هدف سام لكنّ الوسائل المتوفرة وتكوين المدرسين غير ملائمين لتحقيق هذا الهدف/ المطالبة بالانطلاق من الزيارات الميدانية في دروس التاريخ في غياب وسائل تحقيق الزيارات وتعقّد الإجراءات الإدارية/إلخ).
      ب -  قلّة واقعية تلك البرامج : فهو يشمل مجالات تعليمية كثيرة قابلة لأن تكون مدمجة ضمن تعلّمات أساسية، فمحتوى وأهداف التنشئة الاجتماعية(تربية إسلامية/تربية مدنية/تاريخ/جغرافيا) مثلا يمكن أن تتحقّق في جزء منها من خلال نصوص تدمج ضمن كتب القراءة لمختلف مستويات المرحلة الابتدائية . فينبغي أن لا تكون سيطرة التوجه العقلاني في التعليم  الذي يدعو إلى الفصل بين المواد والضبط سببا في إفراغ تعليم القراءة والكتابة والعلوم من محتواها الأخلاقي وبعدها الإنساني.
      ج- عدم شمول تلك البرامج مجالا هاما من العمل التربوي وهو التربية البدنية. فقد غاب الحديث عن أهداف ومحتوى ومنهجية التربية البدنية  عن البرامج الرسمية منذ 2004 الأمر الذي جعل معلّمي المدارس الرّيفية والنّائية يعملون في المجال وفق الاجتهاد الفردي إن لم نقل الارتجال.
     فالمدارس الحضرية يعمل بها معلمون وأساتذة مختصون في التربية البدنية منتدبون من وزارة الشباب والطفولة، بينما مدارس الرّيف تبقى دون مختصين ودون برامج تساعد معلم التعليم العام على اهتداء السبيل عند قيامه بمهمة تنشيط حصص التربية البدنية.
       فنوصي بأن يعاد النظر في البرامج الرسمية للتربية والتعليم فتقع صياغتها بشكل يجعل منها مرجعا بيداغوجيا يساعد المدرس على تحقيق تعليم كاف ذي أهداف واضحة وبمنهجيات مرنة تمكّن كلّ فرد من الحصول على فرص لتنمية قدراته وتنشئه  على المساهمة الفاعلة والإيجابية في تقدّم بلاده الاجتماعي والثقافي والاقتصادي. ذلك أنّنا نعتقد أنّ النماذج والنظريات المستوردة من الشرق أو من الغرب هي من طبيعة تطبيقية ومعيارية لذلك نرى ضرورة إخضاعها الدّائم للفحص والتجريب والتحليل على أن تقاس نتائج التجريب بمقياس واقعنا الثقافي وطموحنا الاجتماعي والاقتصادي دون الإغراق في  التمسّك بالعادة والتقليد .

  3- أدوار المعلّم وملامح خريجي مؤسّسات التكوين الأساسي للمعلّمين:
  يحتل المعلّم مكانة هامّة في العملية التربوية وفق كلّ النماذج المتوفرة في العالم المعاصر. بل يؤكّد جلّ الخبراء في التربية على أنّ نجاح العملية التعليمية لا يتمّ إلاّ بمساعدة معلّم يتمتّع بكفايات معرفية بالمادة الدراسية وكفايات بيداغوجية ولديه ميل للتعليم. وشهدت أدوار المعلّم في مختلف بلاد العالم تطوّرات خلال الحقبات التاريخية منذ عصر الإغريق حتّى عصر الذرّة، إلاّ أنّها تعطلت بتونس خلال العشرين سنة الماضية . وذلك للأسباب التّالية خاصّة:
  أ-  خلل في نظام الانتداب:فكثيرا ما يقع انتداب معلّمين ويقع تكليفهم بالتدريس في مدارس ريفية نائية دون أيّ تكوين بيداغوجي ، كمن يرمي بدويا في البحر دون أن يعلّمه السباحة. ويترتب غالبا عن ذلك أن يكتفي المعلم بدور التلقين وحشو الأدمغة بالمعلومات أو دور شرح النصوص ، وهي أدوار تقليدية عفا عنها الزمن.
  ب- خلل في نظام التكوين الأساسي للمعلّمين (مدّة التكوين/ أهدافه/برنامجه/ انعدام توافق بين بعض الأهداف والممارسات التطبيقية).
  ج- استهتار بالتكوين المستمر أثناء الخدمة : يبدأ من فرض وزارة التربية لبرنامج التكوين على المتفقّد ثمّ  عدم قيام مؤسّسات التكوين المستمر بمهامها على الوجه المطلوب، و عدم تثمين مشاركة الموظف في الحلقات التكوينية والملتقيات والندوات ، الأشياء التي تحدّ من إقبال المعلّمين على التكوين المستمر أثناء الخدمة و يحضره بعضهم مجاملة في المتفقّد البيداغوجي المكوّن.
  د- عدم الاهتمام بالشهائد العلمية والاختصاص: فالمعلم المتحصل على الماجستير يعمل نفس عدد الساعات ويقبض نفس مرتّب المعلّم المتحصّل على شهادة ختم الدروس الثانوية، الشيء الذي يجعل الأوّل يشعر بالضيم ويحدّ من إقباله على العمل والإبداع فيه.

    وأرى الحلّ في العمل على أن يصبح المعلّم  التونسي موظفا حرّا كريما يتمتّع بحقوق متساوية مع أمثاله في بقية العالم الحر المتقدّم. فيقوم بأدواره انطلاقا من تكوين أساسي متين وبمناهج حديثة تتفق مع خصائص المتعلّمين وما يتصفون به من استعدادات وذكاء وقدرات وميول واتجاهات وتراعي الفروق الفردية وتساعدهم على تحقيق الأهداف التعلمية التعليمية في وقت ملائم وبكلفة معقولة. وليتحقق ذلك أرى من الواجب:
  - أن لا ينطلق المعلّم في التدريس إلاّ بعد تلقّي فترة تكوين أساسي في البيداغوجيا وعلم النفس وأساليب التنشيط  وغيرها من المعارف التي يستوجبها التدريس لمدّة لا تقلّ عن سنة.
  -  أن يتمّ تأسيس مؤسّسات جامعية مختصّة في علوم التربية لتخريج المكوّنين في هذا المجال وتطوير البحث في ميادين التربية والتعليم.
 - أن تضع الحكومة برنامجا فعّالا للتكوين الأساسي للمعلّمين يشترك في صياغته خبراء تونسيون لديهم معارف أكاديمية وتطبيقية عالية مشهود بها.
- أن تترك للمتفقّد حرّية وضع برنامج التكوين المستمر للمعلمين وفق حاجاتهم  وتوفير الوسائل اللوجستية والإعانة البشرية التي يحتاجها تنفيذ البرنامج.
- أن تفعّل مراكز التكوين المستمر وتثمّن المشاركات في الدورات التكوينية بشهائد يقع اعتبارها في التدرج المهني.
- أن يقع اعتبار الشهائد العلمية عند الانتداب فيسمّى المتحصّل على الأستاذية أستاذا للمرحلة الابتدائية منذ أول يوم  له في المهنة مع تمتيعه بنفس الامتيازات المادية لأستاذ التعليم الثانوي .

  كما يقتضي تحسين ظروف عمل المعلّم مراجعة فلسفة المؤسّسة المدرسية وهيكلتها وتنظيمها وتمويلها وإدارتها إلى جانب ما سبق ذكره من مراجعة محتوى البرامج وأساليب التعليم وأوضاع المعلمين(مرتبات وحوافز وسكن)، وأوضاع التلاميذ  (صحة وتنقل ومقاعد وغيرها) بالاعتماد على دراسة واقع تحوّلات الشعب التونسي الجارية بعد الثورة وما سينتج عنها في المستقبل. فلا بدّ من مراجعة مراحل التعليم بالمؤسّسة المدرسية وهيكلته الإدارية والزمن المدرسي وأدوار المشرفين البيداغوجيين  ومنظومة التقييم والامتحانات والشهائد.

4- مراحل التعليم وأهمّية مرحلة ما قبل الدّراسة في تحقيق تكافؤ الفرص التعليمية:
    يعتبر انتشار مؤسّسات التعليم الابتدائي في كلّ القرى والمدن والأحياء ووجود مدرسة إعدادية واحدة على الأقل وأخرى ثانوية في كلّ معتمدية، إلى جانب وجود مؤسّسة جامعية  من التعليم العالي في كلّ ولاية، من مكاسب الشعب التونسي الذي راهن على التعليم منذ استقلاله عن فرنسا في 1956. وهو ما نرغب في تدعيمه بأن تتبني الدّولة مرحلة ما قبل المدرسة ( المرحلة التحضيرية ) حتى لا تكون مجالا للاتجار وربطها بمراحل التعليم الأخرى . فالتربية ما قبل المدرسية تهيئ الطفل وجدانيا وذهنيا واجتماعيا وحركيا لدخول المرحلة الابتدائية من خلال اللعب الموجّه.
 فنلفت انتباه الوزارة إلى ضرورة التركيز على الإحاطة بالمربّين في مرحلة ما قبل الدّراسة وتحسين ظروف عملهم حتّى تتمكن من الانتشار في كلّ الحضر وكلّ الرّيف والاضطلاع بمهامها.
   كما تحتاج المرحلة الابتدائية إلى إعادة نظر في جودة برامجها والكتب المستعملة فيها وتوفر الوسائل التعليمية العصرية بها ومدى مساهمتها في التربية على ترشيد الحس الوطني واحترام حقوق الإنسان والالتزام بمبادئ الديمقراطية.
   أمّا المدارس الإعدادية والثانوية فإنّها تشكو من الاكتظاظ في الأقسام ، وكثرة العنف المترتب عن عوامل عديدة منها نقص التكوين لدى إطار التدريس في علم النفس وعلم الاجتماع، لذلك نرى وجوب توفير المزيد من الموارد البشرية وفرص التكوين المختص لها مع التفكير في موارد مادّية لتغطية الحاجات المستجدّة.
   أمّا مؤسّسات التعليم العالي فإنّها مطالبة بالقيام بدورها الحضاري الريادي في المساهمة في حلّ المشكلات التي يعيشها المجتمع وتحقيق التوازن فيه.
5- الإدارة التربوية(هيكلتها ومهامها وتقاسم المسؤوليات فيها على المستوى الوطني والجهوي أو الإقليمي والمستوى المحلّي والمؤسّساتي):
    تؤكّد نتائج الدراسات المنجزة محليا ودوليا ( اليونسكو) على مبدأ لامركزية الإدارة فتخوّل العديد من الصلاحيات إلى الإدارات الجهوية والمحلّية عملا بالمثل القائل : «أهل مكّة أدرى بشعابها» (ونلاحظ ،في هذا الخصوص، غياب إدارة محلية للمؤسسات التعليمية الابتدائية منذ صدور قانون 2001 لمتفقدي المدارس الابتدائية الذي يعفي المتفقد من الصلاحيات الإدارية) ومبدأ الشراكة فيقع تشريك منظمات وجمعيات  المجتمع المدني  وأولياء التلاميذ والتلاميذ أنفسهم في الحوار وفي حلّ المسائل الإدارية.
   ويقوم تصور تقاسم المسؤوليات على ضرورة تحرّي الكفاءة المهنية في التسيير والكفاءة العلمية والعدالة بين الإطارات العاملة بوزارة التربية  عند إسناد الوظائف الإدارية، فلا يسيطر موظّفو التعليم الثانوي مثلا على كلّ إدارات وزارة التربية  والمندوبيات الجهوية للتربية والإدارات المتفرعة عنها (كما هو عليه الحال خلال سنة 2010).
    وأرى أنّه لابدّ من الاهتمام بالإدارة المدرسية وذلك بالاختيار السّليم لمديري المدارس ، ممّا يستوجب إعادة النظر في كيفية تسمية أولئك المديرين وتكوينهم في أبجديات علوم الإدارة وخاصة منها التراتيب القانونية وقواعد التصرّف المالي و أسس علم النفس الاجتماعي الإداري مع ختم حلقات التكوين بشهائد يقع اعتبارها عند التناظر إلى جانب الأقدمية والخبرة الصناعية.
   كما أقترح أن يسمّى مع كلّ مدير مساعد يعمل 30ساعة أسبوعيا إلى جانبه ( فمن التناقض اليوم أنّ المدير وهو معلم تطبيق يعمل 39 ساعة من أجل منحة لا تتجاوز 45دينارا بينما مساعده وهو من نفس الصنف يعمل20ساعة فقط، والسّرّ في ذلك أنّ المشرّع في عهد بن علي نسي أنّ اتفاقية1981 بين الوزارة والنقابة تتحدّث عن 20ساعة تنفيذية بالقسم و14 ساعة لإعداد الدروس وإصلاح الكرّاسات افتراضية بالبيت، أي أنّ جملة ساعات عمل معلم التطبيق الحقيقية حسب ذلك الاتفاق 34 ساعة).
   ولما لا تقع تسمية قيم لحراسة التلاميذ أثناء الرّاحة بالمدارس الابتدائية إلى جانب حارس ليلي لحماية التجهيزات والوثائق.
    ولا يمكن أن نتوقف عن الحديث في هذا الموضوع دون الإشارة إلى غياب نصوص التراتيب الإدارية المدرسية بديلة عن نصوص 1964. فقد صدرت نصوص تتعلّق بالنظام التربوي وبالحياة المدرسية  لا تصل إلى دقّة وإجرائية نصوص قانون 1964 من حيث الصياغة رغم أنّ الأولى دعت إلى توقف العمل بنصوص التراتيب.
 فندعو إلى تدارك هذا النقص  بصياغة نصوص جديدة تتصف بالدقة والإجرائية والشمول تسهر لجان متعددة الاختصاصات في كتابتها.

6- أدوار هيئة التفقّد البيداغوجي في تسيير و تطوير مردود المنظومة التربوية وأسس انتداب أعضائها وتكوينهم:
    عاش متفقدو المدارس الابتدائية وهيئة التفقد عامة منذ أكتوبر 2001 تاريخ صدور ما يسمّى بالقانون الأساسي لإطار التفقّد البيداغوجي مغالطة صريحة. فوزارة العهد السابق وإداراتها المركزية تستنكر في بعض مؤلفاتها الرسمية المنشورة «المركزية المفرطة في تسيير النظام التربوي ... فكلّ شيء يصدر عن "المركز" نحو المستويات الجهوية و المحلّية التي لا تملك سوى أن تطبّق آليا ما يصدر إليها من قرارات . فانحسرت المبادرة خوفا من الوقوع في الأخطاء... » (وفق ما جاء بوثيقة الإصلاح التربوي ص21)، بينما نجد المديرين بالإدارة المركزية  يعملون بعكس ما يقولون ويحرصون على أن تتمّ كلّ حركة  وكلّ تفكير وكلّ تصريح بعد إذنهم. فلا استقلالية ولا حرية في المبادرة (وهي من شروط الاحتراف ) ،الأمر الذي يحطّ من قدر المشرف البيداغوجي إلى منزلة المنفّذ لبرنامج يفرض عليه من المركز ، وهو ما يجعل هويته المهنية متأزمة:
في التأطير:  يؤطر المتفقد المعلّمين حسب خطة وطنية تضبط بمنشور يصدر عن إدارة التكوين المستمر وبإمضاء وزير التربية، فيحدّد المحاور والمعلّمين المعنيين والمدّة.
وفي التقييميسند المتفقد الأعداد للمدرسين وفق شبكة، وتؤرّخ التفقدات وفق حركة المدرسين والمديرين ويكتب التقرير وفق مطبوعة مسطرة تهتمّ بوصف الفضاء التعليمي والوثائق المكتوبة ومواظبة المدرس وسلوكهفلا يهتمّ التقرير بنتائج عمل المدرس ولا بمكتسبات المتعلمينفقد قدّت مطبوعة التفقد وفق مقاربة تقييمية كلاسيكية تعود إلى ما قبل 1950 بفرنسا.
 وفي التجديد:يتوقف عند مشاريع وطنية صاغها أعضاء نواة متحجّرة(المقاربة بالكفايات/ المدارس ذات الأولوية التربوية/ الأقسام التحضيرية/ استعمال تكنولوجيات المعلومات والاتصال) وهي مشاريع طال تكرار الحديث فيها حتّى مجّه المدرسون وأصبحوا لا يحضرون اللقاءات التكوينية إلاّ مجاملة للمتفقد.
  أمّا عن الظروف المادية السيئة لعمل المتفقد يمكن أن نشير إلى:
 - حرمان من السكن:
  لا يتمتّع بحقّ السكن إلاّ من ندر ، فجلّ المتفقدين يعملون خارج معتمدياتهم الأصلية  إن لم نقل ولايتهم أو جهتهم ، ويحتاجون للمسكن اللائق ويطلبونه فلا يجدون إلاّ منحة هزيلة لا تكفي لتعليق ورقة إشهار على باب فما بالك للسّكن في محل لائق.
-2 صعوبات في التنقل:
  يتنقل بسيارته الخاصة ليقوم بالتفقّد ويدفع معلوم الجولان بينما هو يقوم بالجولان لفائدة الغير. ويدفع مبالغ طائلة للصيانة وتعهّد السيارة كي لا تعوقه في طريقه إلى المدرسة. ويدفع تكاليف الطاقة زيادة عن ثمن شراء السيارة الباهض.
 -3 نقص كبير في  التجهيزات:
  إن توفر مكتب للتفقدية فكثيرا ما يغيب عنه الهاتف والآلة الناسخة والحاسوب وجهاز العروض،  رغم أنّها كلّها ضرورية للاتصال بالمدارس والمندوبيات والمصالح الموازية، وضرورية لكتابة التقارير والوثائق، وضرورية لتأطير المدرسين وتقديم عروض.
    4- تعطل الحراك المهني:
    بعد صعوبات الإثبات في الخطة تأتي محدودية نسب الارتقاء من صنف إلى صنف  وهو ما يحدّ من الآفاق المهنية للمتفقّد.

   هذا واقع جعل الفاعلية الشخصية للمتفقد ضعيفة ، لذلك نأمل أن تغير ثورة14 جانفي 2011هذا الواقع بتونس ف:
* تقع مراجعة القانون الأساسي لإطار التفقّد.
* يقع تكليف متفقد للمدارس الابتدائية بكلّ دائرة للسهر على الشؤون الإدارية ، فيقوم بمهامه العادية وبالمهام الإدارية التي يقع الاتفاق فيها مع المندوبية الجهوية ووزارة التربية ، على أن تسند له منحة مالية لا تقلّ عن منحة رئيس مصلحة (150د). وتتمّ تسميته بعد عملية انتخابية بين متفقدي المعتمدية الواحدة و يدوم التكليف ثلاث سنوات فقط قابلة للتجديد مرّة واحدة.
* مراجعة قواعد تقييم عمل المدرّس وإسناد الأعداد
* توفير سيارة للمتفقد أو مساعدته على اقتناء سيارة مع إعفائه من الرسوم والأداءات وتعويض مصاريف الصيانة والطاقة.
* ضمان السكن اللائق للمتفقد.
* توفير التجهيزات العصرية التي تساعد المتفقّد على إنجاز مهامّه.

7- البناء والتجهيز وتكلفة المنظومة التربوية وتمويلها:
  يتطلب تحقيق الأهداف التربوية بدرجة عالية من الجدوى تطوير بنايات المدارس الابتدائية خاصّة وتوفير التجهيزات  الضرورية لها وانتداب من يسهر على حراستها وصيانة معدّاتها كما تتطلب الجدوى تمويل مشاريع المؤسّسات. وهو ما يجب تدعيمه بالنسبة للمدارس الإعدادية والثانوية . ويقتضي هذا الأمر من الدّولة ومكوّنات المجتمع المدني مستوى عاليا من التمويل والإنفاق، لذلك وجب تنويع مصادر التمويل مثل:
- تمويل أساسي من ميزانية الدّولة.
- فرض ضريبة خاصة على البضائع الاستهلاكية الكمالية أو شبه الكمالية لفائدة التربية.
 - استغلال مقرّات المؤسّسات في أنشطة سياحية وتجارية متنوّعة خلال العطل المدرسية.
8- - الزمن المدرسي:
    لا يتمّ إصلاح المنظومة التربوية دون مراجعة شاملة لكل مكوناتها و منها الزمن المدرسي.  فقد سبّب الزمن المدرسي المعتمد في مدارسنا ومعاهدنا منذ سنوات في الكثير من الاشكاليات المطروحة حاليا في مدارسنا وهو ما يحتم مراجعته بصفة جذرية وشاملة.و مراجعة الزمن المدرسي تشمل العديد من الجوانب مثل:
*عدد ساعات الدراسة السنوية و الأسبوعية و اليومية.
*كيفية تنظيم الدراسة: وفق تقسيم  ثلاثي أو سداسي.
* نظام العطل :عدد أيام العطل المدرسية و كيفية توزيع هذه الأيام على مختلف فترات السنة الدراسية.
* بداية اليوم الدراسي و نهايته.
*بداية السنة الدراسية ونهايتها.
*كيفية توزيع التوقيت الأسبوعي على مختلف مواد الدراسة .
  وهو ما يهمّ عديد الأطراف في المجتمع المدني، ويستوجب استشارة عدد كبير من المختصين في  علوم التربية والاجتماع والنفس  مع الرّجوع إلى المنظمات ذات العلاقة بالشغل والاقتصاد والأسرة.
   فدون أن نحتكر القرار نؤكّد على تمكين التلميذ من وقت أكثر خلال أيام الأسبوع للتفرغ للأنشطة الثقافية والرياضية مع وقت أكثر للمراجعة ،فقد كان الزمن المدرسي المعتمد حاليا في المدارس الابتدائية والثانوية وراء تفشّي ظاهرة الساعات الجوفاء وهي الظاهرة التي تحولت إلى أمر مقلق للأولياء حيث يضطر التلاميذ إلى قضائها أمام المعاهد والمدارس وفي الشوارع المحاذية وفي المقاهي القريبة منها.

9- العلاقات بين مؤسّسات التربية والتكوين ومنظومة التشغيل:
   تؤكّد كلّ تدخلات المختصين في التربية ما بعد الثورة، على صفحات الجرائد وبالمواقع الافتراضية الاجتماعيةّ، على أن تكون التربية منسجمة مع الاختيارات الوطنية الاقتصادية والاجتماعية فيتخرّج من المؤسسات التعليمية المواطن ذو الكفاءة الضرورية لسوق الشغل ، وهو ما تلح عليه أيضا كلّ المنظمات العالمية ذات الصلة بالتربية . فلا بدّ من:
*الربط الوثيق بين التحصيل المعرفي والتكوين والتشغيل في إطار تكافؤ الفرص والشفافية .
*تشريك ممثلي الطلبة و التلاميذ تمثيلا حقيقيا ومستقلا في معالجة هذا الملف .

10- نظام التقييم والامتحانات والشهائد:
   نوصي، في جانب تقييم نتائج تعلّم التلاميذ، بأن لا يتوقف تقييم التلاميذ عند التحقّق من تملّك المعارف والكفايات المقرّرة بل أن يتّسع ليقيّم قدرتهم على العيش مع الآخرين  وتحقيق كينونتهم، فيشمل التقييم التعلّم للمعرفة والتعلّم للعمل والتعلم للعيش مع الآخرين والتعلّم للكينونة.
  ونوصي بتطوير منظومة التقويم الذاتي للمتعلّم عوضا عن التمسّك بالتقييم المستمر للمعلّم.
    وفي باب الامتحانات والشهائد ، نقترح :
      أ - أن يجرى على كلّ تلميذ امتحانان (2)فقط في مستوى المدرسة خلال السنة الراسية ، واحد في كلّ سداسية.
      ب – أن يجرى امتحان وطني في نهاية السنة السّادسة من التعليم الأساسي يفضي إلى أربع احتمالات:
       * الانتقال إلى المرحلة الإعدادية النموذجية ( مع توفير أقسام نموذجية في كلّ مدرسة إعدادية) .      * الانتقال إلى المرحلة الإعدادية العادية.
       * الانتقال إلى المرحلة الإعدادية التقنية.
       * الرّسوب بالسنة السّادسة لمرّة واحدة.
     ج – أن يجرى امتحان لختم  التعليم الأساسي لكلّ تلميذ في نهاية السنة التاسعة. وأن تسند شهادة لكلّ ناجح.
      د – أن يجرى امتحان لختم الدروس الثانوية(  شهادة البكالوريا) في اختصاصات متعدّدة.
     هـ - العودة إلى نظام : شهادة أستاذية – شهادة ماجستير – شهادة دكتورا في التعليم العالي .

     
   أمّا في جانب التقويم المستمر والدوري لمضمون التعليم والمنظومة التربوية وأداء المؤسّسات المدرسية،  فتتأكّد المشاركة في كافّة الاختبارات التي تنظمها المنظمات العالمية للتربية مع تجاوز الاقتصار على امتحان التلاميذ وتقويم طرق التدريس لدى المعلّمين إلى تقويم التمويل والإدارة والمبادئ العامّة ومدى تحقّق الإنصاف والجودة مع تشريك كلّ الأطراف ذات العلاقة بالتربية في تلك العمليات.

خاتمة:
    إنّ المجموعة الوطنية من خلال مبادئ ثورة14 جانفي تدعو إلى إدخال تغييرات جوهرية في ممارساتنا وعلى أساليبنا في التفكير وترفض  أن يكون المستقبل مجرّد امتداد تلقائي للحاضر يمكن التعرّف عليه بأساليب الإسقاط ، وترفض وجود حتمية تاريخية تحدّد مستقبل التربية انطلاقا من تصوّرات مثالية بل تنادي بإعمال الفكر والتأمّل والتخطيط وفق فلسفة ثورية ناضجة ورشيدة تفضي إلى تمهين العمل في قطاع التربية بوضع شروط وضوابط للعمل في مجال التعليم بمختلف مراحله وتحسين جودة المردود الدّراسي بتهيئة الظروف الأدبية و المادية والبشرية الضرورية والسعي إلى أقصى ما يمكن من التوافق بين التعليم والتكوين والتشغيل. وتطوير الهياكل الإدارية وتحسين ظروف عمل المشرفين البيداغوجيين.
       يا قومي ما بي ضلالة، وما أردت إلاّ الإصلاح، واللّه ولي التوفيق.
د.حسن بن علي الجمني

المصدر: مقال اقترحه على السادة متفقدي المدارس الابتدائية التونسية المجتمعين في مجلس تفقد يوم 01جوان 2011 بنابل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق